الرسول صلى الله عليه وسلم يغادر بيته
وقد فشلت قريش في خطتهم فشلًا ذريعًا
مع غاية التيقظ والتنبه؛ إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت، واخترق
صفوفهم، وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذره على رءوسهم، وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا
يرونه، وهو يتلو: {وَجَعَلْنَا مِن
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ
خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [يس:9].
فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابًا،
ومضى إلى بيت أبي بكر، فخرجا من
خوخة في دار أبي بكر ليلًا حتى لحقا بغار ثَوْر في اتجاه اليمن.
وبقى
المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل، فقد
جاءهم رجل ممن لم يكن معهم،
ورآهم ببابه فقال: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدًا.
قال: خبتم وخسرتم، قد والله مر بكم، وذر على رءوسكم التراب، وانطلق
لحاجته،
قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم.
ولكنهم
تطلعوا من صير الباب فرأوا عليًا، فقالوا: والله إن هذا لمحمد نائمًا، عليه برده،
فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا. وقام
علىٌّ عن الفراش، فسقط في أيديهم، وسألوه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا علم لي به.
من الدار إلى الغار
غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من
النبوة، الموافق 12/13 سبتمبر سنة 622
م. وأتى إلى دار رفيقه ـ وأمنّ الناس عليه
في صحبته وماله ـ أبي بكر رضي الله عنه. ثم غادر منزل الأخير من باب
خلفي؛ ليخرجا
من مكة على عجل وقبل أن يطلع الفجر.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يعلم أن قريشًا سَتَجِدُّ في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة
هو
طريق المدينة الرئيسى المتجه شمالًا، فسلك الطريق الذي يضاده تمامًا، وهو الطريق
الواقع جنوب مكة، والمتجه نحو اليمن،
سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ إلى
جبل يعرف بجبل ثَوْر وهو جبل شامخ، وَعِر الطريق، صعب المرتقى، ذو
أحجار كثيرة،
فحفيت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل كان يمشى في الطريق على أطراف
قدميه كى يخفي
أثره فحفيت قدماه، وأيا ما كان فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل،
وطفق يشتد به حتى انتهي به إلى غار في قمة الجبل عرف في التاريخ بغار ثور.