السؤال :
لدينا عادات وتقاليد مخالفة لشريعتنا الإسلامية الغراء ومن هذه العادات ما يلي:
يجتمع الناس يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة يصلون على النبي صلى الله عليه
وسلم بصوت مرتفع وجماعي، ثم إنهم يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم
وبأولياء الله الصالحين بهذه الألفاظ: شيء لله يا رسول الله، شيء لله يا
أولياء الله الصالحين، شيء لله يا رجال الله المؤمنين أغيثونا، أعينونا،
مدونا بالرعاية، وكأمثال هذه الألفاظ ويرجو التوجيه جزاكم الله خيرا؟
الجواب :
أما الاجتماع على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جماعي أو صوت
مرتفع فهذا بدعة، والمشروع للمسلمين أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم
من دون رفع الصوت المستغرب المستنكر، ومن دون أن يكون ذلك جماعيّاً، كل
يصلي بينه وبين نفسه: اللهم صل وسلم على رسول الله، اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد... إلى آخره، يصلي بينه وبين نفسه؛ لأن يوم الجمعة يُشرع فيه
الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أمر بهذا عليه
الصلاة والسلام فقال: ((إن خير أيامكم يوم الجمعة فأكثروا عليَّ من الصلاة
فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد
أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))[1] أ.هـ.
فدل ذلك على مشروعية الإكثار من الصلاة والسلام – عليه الصلاة والسلام –
يوم الجمعة، ويشرع لنا أن نكثر من ذلك في المسجد وغيره، لكن كل واحد يصلي
على النبي بينه وبين نفسه، الصلوات المشروعة المعروفة من دون أن يكون ذلك
بصوت مرتفع يشوش على من حوله أو بصوت جماعي يتكلم جماعة جميعاً، كل هذا
بدعة، ولكن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه في مسجده وفي
طريقه وفي بيته وفي كل مكان، وهكذا في بقية الأيام والأوقات تشرع الصلاة
والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[2]، ولقول النبي صلى
الله عليه وسلم: ((من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً))[3].
فالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم مشروعة للرجال والنساء جميعاً في
يوم الجمعة وغيره، لكن بالطريقة التي درج عليها المسلمون، من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، كل واحد يصلي على النبي بينه وبين
نفسه من غير حاجة إلى أن يرفع صوته حتى لا يشغل من حوله ومن غير حاجة إلى
أن يكون معه جماعة بصوت جماعي.
أما الاستغاثة بالأنبياء أو بغيرهم من الأموات والغائبين أو الجن أو
الأصنام أو غيرها من الجمادات فهذا من الشرك الأكبر وهو من عمل المشركين
الأولين والآخرين، فالواجب التوبة إلى الله منه والتواصي بتركه، فلا يجوز
أن يقول أحد: يا رجال الغيب شيء لله أو يا أولياء الله شيء لله أو يا رسول
الله شيء لله أو أغيثونا أو أعينونا أو انصرونا كل هذا منكر وشرك أكبر
بالله عز وجل؛ لقول الله سبحانه في كتابه العظيم: {وَمَن يَدْعُ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ
رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[4]، سمى سبحانه دعاءهم غير
الله كفراً، وحكم عليهم بعدم الفلاح وقال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ
لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن
قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا
مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ
بِشِرْكِكُمْ}[5]، فسمى دعاءهم غير الله شركاً فالواجب الحذر من هذا.
والله سبحانه يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ
اللَّهِ أَحَدًا}[6]، ويقول جل وعلا: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[7].
فالله هو الذي يدعى سبحانه وتعالى، وهو الذي يكشف الضر وهو الذي يجلب النفع
سبحانه وتعالى فيقول المؤمن: يا رب اشفني، يا رب أعني، يا رب اهدني سواء
السبيل، يا رب أصلح قلبي وعملي، يا رب توفني مسلماً تدعو ربك بذلك؛ لقوله
سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ولقوله سبحانه: {وَاسْأَلُواْ
اللّهَ مِن فَضْلِهِ}[8]، وقوله جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[9].
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))[10].
فالمشروع للمسلمين رجالاً ونساء الإكثار من الدعاء والحرص على دعاء الله جل
وعلا والضراعة إليه في جميع الحاجات سبحانه وتعالى، أما دعاء الأنبياء أو
الأولياء أو غيرهم من الناس عند قبورهم أو في أماكن بعيدة عنهم كل هذا
منكر، وهو شرك بالله عز وجل وشرك أكبر يجب الحذر منه، كهذا الذي ذكره
السائل يا عباد الله يا أنبياء الله أعينونا أغيثونا كل هذا لا يجوز، قال
الله جل وعلا: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[11]، وقال سبحانه:
{وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[12]،
ويقول جل وعلا في حق نبيه عليه الصلاة والسلام: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ
وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[13]، فالأمر عظيم ويقول
تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}،
فالواجب الحذر والواجب على كل مسلم وعلى كل من ينتسب للإسلام وعلى كل مكلف
أن يعبد الله وحده وأن يخصه بالعبادة دون من سواه، قال سبحانه: {وَقَضَى
رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}[14]، وقال تعالى: {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[15]، فلا تسأل نبيَّاً ولا شجراً ولا
حجراً ولا صنماً ولا غير ذلك في طلب حاجة من نصر ولا شفاء مريض ولا غير
ذلك، بل اسأل الله حاجتك كلها، هذا هو توحيد الله وهو الدين الحق وهذا هو
الإسلام، وأن تتوجه إلى الله بسؤالاتك وحاجاتك وأن تعبده وحده بدعائك
وصلاتك وصومك وسائر عباداتك، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا
معبود حق إلا الله، كما قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[16].
أما المخلوق وإن كان عظيماً كالأنبياء فإنه لا يدعى من دون الله ولا يستغاث
به ولا ينذر له ولا يذبح له، فعلى المسلم أن يفهم هذا جيداً، وعلى كل مكلف
أن يفهم هذا جيداً، وأن يعلم أن هذا أمره عظيم وأن أصل دين الإسلام
وقاعدته هو إخلاص العبادة لله وحده وهذا هو معنى لا إله إلا الله فإن
معناها: لا معبود حق إلا الله، كما تقدم.
فالله سبحانه هو الذي يدعى وهو الذي يسأل، كما قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[17]، وقال
تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[18]، فالخطأ في هذا أمره عظيم جداً لا يجوز
التساهل فيه؛ لأنه شرك الجاهلية وشرك المشركين الأولين ولأنه ضد الإسلام،
وضد لا إله إلا الله، فالواجب الحذر من هذه الشركيات، وعليك أيها السائل أن
تنذر قومك وأن تبلغهم وأن ترشدهم إلى أن يتفقهوا في الدين ويتعلموا القرآن
ويتدبروه، وأن يعتنوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويعملوا بها ويحضروا
حلقات العلم عند العلماء المعروفين بالعلم والفضل وحسن العقيدة، وأن
يستمعوا إلى إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، وبرنامج نور
على الدرب لما في ذلك من العلم النافع والأجوبة الشرعية عما يسأل عنه
المستمعون، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه.
أما سؤال الحي الحاضر والاستعانة به فيما يقدر عليه مباشرة، أو من طريق
الكتابة ونحوها كالهاتف فلا بأس بذلك؛ لقـول الله عز وجل في قصة موسى عليه
الصلاة والسلام في سورة القصص: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ
عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[19]، وهذا أمر لا خلاف فيه بين أهل العلم
والحمد لله.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله
عليه وسلم برقم 1374، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة
الجمعة برقم 1047، وابن ماجه في كتاب ما جاء في الجنائز، باب ذكر وفاته
ودفنه صلى الله عليه وسلم برقم 1636، وأحمد في أول مسند المدنيين رضي الله
عنهم، مسند أوس بن أبي أوس الثقفي برقم 15729.
[2] سورة الأحزاب، الآية 56.
[3] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 408.
[4] سورة المؤمنون، الآية 17.
[5] سورة فاطر، الآيتان 13، 14.
[6] سورة الجن، الآية 18.
[7] سورة غافر، الآية 60.
[8] سورة النساء، الآية 32.
[9] سورة البقرة، الآية 186.
[10] أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب منه برقم 3372.
[11] سورة لقمان، الآية 13.
[12] سورة الأنعام، الآية 88.
[13] سورة الزمر، الآية 65.
[14] سورة الإسراء، الآية 23.
[15] سورة الفاتحة، الآية 5.
[16] سورة الحج، الآية 62.
[17] سورة البقرة، الآية 163.
[18] سورة طه، الآية 98.
[19] سورة القصص، الآية 15.
السؤال :
ما ردكم على من يقول: إن عقيدة الخوارج كانت عقيدة سلفية وإنهم أي الخوارج سلفيون؟[1]
الجواب :
هذا قول باطل، وقد أبطله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الخوارج:
((تمرق مارقة على حين فرقة من أمتي يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع
قراءتهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم
فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم))[2] وفي لفظ آخر عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال في الخوارج: إنهم ((يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل
الأوثان))[3].
وقد علم من عقيدتهم أنهم يكفرون العصاة من المسلمين، ويحكمون بخلودهم في
النار؛ ولهذا قاتلوا علياً رضي الله عنه ومن معه من الصحابة وغيرهم،
فقاتلهم علي وقتلهم يوم النهروان، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، والله
الموفق.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] من ضمن الأسئلة لسماحته من (مجلة الدعوة).
[2] أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3611.
[3] أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ} برقم 3344.
السؤال :
لقد أجبت يا سماحة الشيخ على أحد الأسئلة المطروحة من أحد السائلين فيما
يتعلق بالعذر بالجهل، متى يُعذر ومتى لا يُعذر، وذكرت بأن الأمر فيه تفصيل،
ومما ذكرت بأنه لا يُعذر أحد بالجهل في أمور العقيدة، أقول يا سماحة الشيخ
إذا مات رجل وهو لا يستغيث بالأموات ولا يفعل مثل هذه الأمور المنهي عنها
إلا أنه فعل ذلك مرة واحدة فيما أعلم، حيث استغاث بالرسول صلى الله عليه
وسلم وهو لا يعلم أن ذلك حرام وشرك، ثم حج بعد ذلك دون أن ينبِّه أحد على
ذلك، ودون أن يعرف الحكم فيما أظن حتى توفاه الله وكان هذا الرجل يُصلي
ويستغفر الله لكنه لا يعرف أن تلك المرة التي فعلها وهو يجهل مثل ذلك، هل
يُعتبر مشركاً؟ نرجو التوضيح والتوجيه جزاكم الله خيراً.
الجواب :
إن كان من ذكرته تاب إلى الله بعد المرة التي ذكرت، ورجع إليه سبحانه
واستغفر من ذلك زال حكم ذلك وثبت إسلامه، أما إذا كان استمر على العقيدة
التي هي الاستغاثة بغير الله ولم يتب إلى الله من ذلك فإنه يبقى على شركه
ولو صلى وصام حتى يتوب إلى الله مما هو فيه من الشرك.
وهكذا لو أن إنساناً يسب الله ورسوله، أو يسب دين الله، أو يستهزئ بدين
الله، أو بالجنة أو بالنار فإنه لا ينفعه كونه يُصلي ويصوم، إذا وجد منه
الناقض من نواقض الإسلام بطلت الأعمال حتى يتوب إلى الله من ذلك هذه قاعدة
مهمة، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ}[1]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن
مِّنْ الشَّاكِرِينَ (66)}[2] وأمُّ النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في
الجاهلية واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليستغفر لها فلم يؤذن
له.
وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن أبيه: ((إن أبي وأباك في النار))[3] وقد ماتا في الجاهلية.
والمقصود أن من مات على الشرك لا يُستغفر له ولا يُدعى له، ولا يُتصدق عنه
إلا إذا عُلِمَ أنه تاب إلى الله من ذلك، هذه هي القاعدة المعروفة عند أهل
العلم، والله ولي التوفيق.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة الأنعام، الآية 88.
[2] سورة الزمر، الآيتان 65، 66.
[3] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار برقم 203.
السؤال :
نريد من سماحتكم أن توجهوا نداء إلى الناس تُبيّنون فيه أهمية الدعوة إلى الله وتفسير النافي لمعنى (لا إله إلا الله).
الجواب :
في كتاب الله العظيم الكفاية العظيمة والدعوة إلى هذا الحق العظيم، فقد
دعاهم مولاهم سبحانه وتعالى في كتابه العظيم في آيات كثيرة إلى أن يعبدوه
وحده، وهكذا رسوله صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى ذلك بمكة والمدينة مدة
ثلاث وعشرين سنـة، يدعـو إلى الله ويبصِّر الناس بدينهم، كما قال سبحانه:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[1]، وقال سبحانه:
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ
الرَّحِيمُ}[2]، وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ
إِيَّاهُ}[3]، وقال جل وعلا: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ
(2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[4]، وقال سبحانه: {فَادْعُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[5]، وقال
عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ
لِذَنبِكَ}[6] في آيات كثيرة، قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}[7] وقال النبي
صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا
يشركوا به شيئاً))[8] متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: ((من مات
وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار))[9]. وقال عليه الصلاة والسلام: ((من
لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل
النار))[10].
فالواجب على جميع أهل الأرض من المكلفين أن يعبدوا الله وحده وأن يقولوا لا
إله إلا الله وأن يشهدوا أن محمداً رسول الله وأن يخصوا الله بدعائهم
وخوفهم ورجائهم واستغاثتهم وصومهم وصلاتهم وسائر عباداتهم، وهكذا طوافهم
بالكعبة يطوفون بالكعبة تقرباً إلى الله وعبادة له وحده سبحانه وتعالى، وأن
يحذروا دعوة غير الله بأصحاب القبور أو بالأصنام أو الأنبياء أو غير ذلك،
فالعبادة حق الله وحده، لا يجوز لأحد أن يصرفها لغيره سبحانه وتعالى،
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة
والباطنة، الصلاة عبادة والصوم عبادة والصدقة عبادة والحج عبادة وخوف الله
عبادة ورجاؤه عبادة والنذر عبادة والذبح عبادة وهكذا لا يستغيث إلا بالله
ولا يطلب المدد إلا من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه خالقه ومعبوده هو الحق
سبحانه وتعالى، وقد بعث الله الرسل كلهم بذلك من أولهم إلى آخرهم من أولهم
نوح إلى آخرهم محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، كلهم يدعون الناس إلى توحيد
الله كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً
أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[11] وقال سبحانه:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[12].
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأهل مكة: ((يا قوم قولوا لا إله إلا الله
تفلحوا))[13] هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء، من العجم
والعرب، من الجن والإنس، في جميع أرض الله، يجب عليهم أن يعبدوا الله
وحده، وأن يقولوا لا إله إلا الله وأن يخصوه بالعبادة سبحانه وتعالى وألاَّ
يعبدوا معه سواه لا صنماً ولا نبياً ولا ملكاً ولا جنياً ولا شجراً ولا
غير ذلك، العبادة حق الله وحده: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ
إِلاَّ إِيَّاهُ}[14] هذا هو الواجب على جميع المكلفين من جن وإنس، من عرب
وعجم من ذكور وإناث من ملوك وعامة، يجب على الجميع أن يعبدوا الله وحده وأن
يخصوه بدعائهم وخوفهم ورجائهم وتوكلهم واستغاثاتهم ونذورهم وذبحهم وصلاتهم
وصومهم ونحو ذلك، كما قال عز وجل: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ
بِهِ شَيْئًا}[15] {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ
إِيَّاهُ}[16] {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[17] {وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء
وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ}[18].
لكن خوف الإنسان ما يضره واتخاذ الأسباب غير داخل في العبادة، خوفه من اللص
حتى يغلق الباب ويتخذ الحرس لا حرج في ذلك كما قال الله عن موسى لما خاف
فرعون قال: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[19] خائف من شر فرعون،
وخوف الأمور الحسية، وخوف الظلمة واتخاذ الأسباب هذا غير داخل في العبادة،
فإذا خاف من اللصوص وأغلق بابه وجعل حارساً على ماله، أو خاف حين سفره من
اللصوص أو قطاع الطريق وحمل السلاح وسلك الطريق الآمنة، كل هذا لا بأس به،
وهكذا إذا خاف الجوع أكل وإذا خاف الظمأ شرب، وإذا خاف البرد لبس ما يدفئه
وما أشبه ذلك من الأمور الحسية المعروفة لا حرج في ذلك، وهكذا إذا استعان
بأخيه في مزرعته، في إصلاح سيارته، في بناء بيته، هذه أمور عادية داخلة في
العبادة، كما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى
الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[20] لموسى، هذه أمور عادية يقدر عليها المخلوق،
التصرف مع المخلوق الحي الحاضر في أشياء يقدر عليها من تعاون في بناء، في
مزرعة، في جهاد، وغير ذلك هذا غير داخل فيما يتعلق بالعبادة. لكن دعاء
الميت دعاء الشجر، دعاء الصنم، دعاء الجن، دعاء الملائكة، دعاء الأنبياء؛
ليستغيث بهم هذا هو الشرك الأكبر، أو دعاء الحي في أمور لا يقدر عليها،
يعتقد فيه أن له تصرفاً في الكون، كما يفعل بعض الصوفية مع مشايخهم يدعونهم
مع الله ويعتقدون أن لهم تصرفاً في الكون فإن لهم سراً يستطيعون أن يعلموا
الغيب أو ينفعوا بما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، هذه أمور شركية حتى مع
الأحياء. نسأل الله السلامة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة البقرة، الآية 21.
[2] سورة البقرة، الآية 163.
[3] سورة الإسراء، الآية 23.
[4] سورة الزمر، الآيتان 2، 3.
[5] سورة غافر، الآية 14.
[6] سورة محمد، الآية 19.
[7] سورة البينة، الآية 5.
[8] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار
برقم 2856، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على
التوحيد دخل الجنة برقم 30.
[9] أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً} برقم 4497.
[10] أخرجه مسلم في كتاب الإيـمان، باب من مات لا يُشرك بالله شيئاً دخل الجنة، برقم 93.
[11] سورة النحل، الآية 36.
[12] سورة الأنبياء، الآية 25.
[13] الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه
برقم 15593 بلفظ: "يا أيها الناس...."، وابن حبان 14/6562.
[14] سورة الإسراء، الآية 23.
[15] سورة النساء، الآية 36.
[16] سورة الإسراء، الآية 23.
[17] سورة الفاتحة، الآية 5.
[18] سورة البينة، الآية 5.
[19] سورة القصص، الآية 21.
[20] سورة القصص، الآية 15.