هذه الوسيلة التي صارت من السيوف المسلطة على رقاب الشعوب
والدول الآن إذا لم تخضع للمارد الغربي، ولم تنزل على شروط الإذلال
العالمي ، فإن سيف المقاطعة الاقتصادية يسلط عليهم ، هذه هي الوسيلة
نفسها التي استعملها المشركون قديما ، ولا يزالون مصرين عليها حديثا ،
وإذا رجعنا إلى هذه الأحلاف الجاهلية ، والمعاهدات الشركية فسنجدها هي
هي الآن في عالم لا يعرف الرحمة بالضعفاء من الشيب والأطفال
والنساء، وتعاقب مجتمعات بأسرها كما حدث في هذه الفترة التي دامت
ثلاث سنوات وفيها يروي البخاري أنه لما زادت حيرة المشركين إذ نفدت
بهم الحيل، ووجدوا بني هاشم وبني المطلب مصممين على حفظ نبي الله
والقيام دونه، كائنًا ما كان، فاجتمعوا وتحالفوا على بني هاشم وبني
المطلب ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا
يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله للقـتل،
وكتـبوا بذلك صحيـفـة فيها عهود ومواثيق (ألا يقبلوا من بني هاشم صلحًا
أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل). قال ابن القيم: يقال: كتبها
منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم، ويقال: نضر بن الحارث،
والصحيح أنه بَغِيض بن عامر بن هاشم، فدعا عليه رسول الله فَشُلَّتْ
يده.{الرحيق المختوم ، ص131 }
لقد أظهرت هذه المقاطعة مروءة عالية من بني هاشم وبني عبدالمطلب
حيث انضموا إلى المسلمين رغم شركهم حمية ورجولة وظل هذا الحصار
الذي أنهك الصغار والكبار لمدة ثلاث سنوات حتى كانوا يصرخون من
شدة الجوع ، وأكلوا أوراق الشجر وجلود المواشي ، حتى قيض الله لها
رجالا من غير المسلمين أيضا هم هشام بن عمرو ، والمطعم بن عدي ،
وأبو البحتري ابن هشام ، وزمعة بن الأسود بن عبدالمطلب وزهير بن أبي
أمية المخزومي وتعاهدوا على نقض هذا الحصار ، فكان الفرج من الله
على أيدي المشركين، بما يضاعف الأمل أن ما يبرمه المشركين الأوغاد
ينقضه المشركون الأحرار ، ولكل أزمة نهاية ، ولكل عسر يسر.
ولعل هذه الرسالة في ذكرى الإسراء والمعراج إلى شعب فلسطين الأبّي
الذين رفض الأحرار أن يكون تنازلهم عن مقاومة العدو الصهيوني
الغاصب مقابل رفع الحصار ، ليسمح بطعام مغموس بالذل والصغار ،
والعار والشنار أن يتنازل المسلمون عن أرض القدس ، والمسجد الأقصى
لشذاذ الآفاق من بني صهيون ، ولعلي أستحضر لهؤلاء المحاصرين قول
الشاعر :
لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
وسوف يأتي الله بالفرج ـ إن شاء الله ـ مهما طال كما حدث في قصة
المقاطعة في عهد النبوة