كتبه أخونا الشيخ : عبد الرحمن بن سعد الشثري , في حكم تنصيب المرأة في الولايات العامة , كالإمامة العظمى , والوزارة , والإدارة , فوجدته بحثاً جيِّداً , قد تضمَّن ذكر الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال العلماء في هذه المسألة , مما يتضمَّنُ الرَّد على أصحاب التوجُّه التغريبي من المنافقين والمخدوعين , فجزى الله المؤلف خيراً , ونفع بما كتبه .
وذلك بمناسبة ما نُشر في بعض الصحف من ترشيح عدد من النسوة ليكنَّ سفيرات في وزارة الخارجية , وهي خطوة مسبوقة لخطوات تغريب المرأة المسلمة , وهو تحقيق لِما تقضي به وثيقة هيئة الأمم المتحدة من تحريم التمييز ضد المرأة - أي تمييز الرجل على المرأة - وذلك يعني التسوية بينهما في جميع المجالات , وهي وثيقةٌ باطلةٌ , لأنها مناقضةٌ لجميع أحكام الإسلام التي فيها تمييزٌ بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات (( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) (المائدة:50) .
وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
حُرِّر في يوم الخميس 10/9/1426هـ .
أملاه
عبد الرحمن بن ناصر البراك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله .
أمَّا بعد : فقد اطلعت على رسالة الأخ الكريم المفضال الشيخ عبد الرحمن بن سعد الشثري , وعنوانها : المرأة والولايات السيادية , فوجدتها رسالة قيِّمة , تسدُّ ثغرة هامة في وقتنا الحاضر , وتُمثِّل حصناً دفاعياً تجاه النعرات التي يعلو صوتها هذه الأيام .
وقد أجاد أخونا الفاضل وفقه الله لكل خير في تستطير تلكم الرسالة القيمة , وذلك ضمن اهتماماته المتكرِّرة , نفع الله به بما يَجدُّ في الساحة الإسلامية من مسائل ينتظر فيها ناشدو الحق من المسلمين الإيضاح والبيان من أهل العلم , ولكنهم يُصابون بخيبة أمل حينما لا يجدون البيانَ الشافي, والتوضيح الْمُؤصَّل , فكانت هذه الرسائل نبعاً صافياً ينهلُ منه كلُّ من اختلطت عليه الأمور وتلاقفته الأهواء .
والمرأة خلال أربعة عشر قرناً خلت كانت مملكتها بيتُها , وحجابها سترها , وحياؤها هو رأس مالها مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)) , ولِما روي عنه أيضاً من قوله : ((من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين )) , وتبيينه صلى الله عليه وسلم أنَّ النساء أسيرات عند أزواجهنَّ حيث قال : (( اتقوا الله في النساء فإنهنَّ عوان عندكم )) .
والنصوص في هذا المعنى كثيرة , وقد نقل الشيخ عبد الرحمن طائفة منها تُغني عن غيرها , وأردفها بفهم علماء الأمة الجهابذة فلم يترك مجالاً لمغرض أو لعابث فجزاه الله خير الجزاء .
وخروج المرأة من بيتها واختلاطها بالرجال مفتاح كل فساد وشر , وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( المرأةُ عورةٌ ، فإذا خَرَجَت اسْتَشْرَفَهَا الشيطانُ ، وأقربُ ما تكونُ مِن ربِّها إذا هيَ في قَعْرِ بيتها )) .
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( بلغني أنَّ نساءكم ليُزاحمْنَ العلوج في الأسواق ، أما تغارون ؟ إنه لا خير في مَنْ لا يغار ) .
ولا شك أن تولية المرأة أيَّ ولاية هو انتكاس لفطرتها وتعريض لها لأن تَفتن وتُفتن , ولا يرضى رجل لأهله مثل ذلك إلاَّ وهو ناقص في رجولته مضيع للأمانة التي استرعاه الله إياها , وإذا كان الله تعالى قد حرَّم تمكين النساء والأطفال من التصرف في الأموال إلاَّ تحت الوصاية والرعاية من الرجال فقال : ((وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً)) (النساء:5) كيف بما هو أعظم من ذلك من ولايات أهل الإسلام .
وها هو الغرب الكافر الذي فُتحت فيه أبواب الاختلاط السافر وتولية المرأة المناصب يشهد أهله من خلال دراسات ميدانية أن المرأة العاملة تتعرض دوماً للابتزاز الجنسي , ولا تكاد تسلم المرأة من ذلك حتى وإن كانت دميمة , فسبحان من شرع للمرأة الحجاب والقرار في البيت ومباعدة الرجال الأجانب .
أسأل الله تعالى أن يجزي الشيخ عبد الرحمن خير الجزاء على هذه الرسالة القيمة , وأن ينفع بها قارئها , وإني أُهيب بولاة أمور المسلمين - وفقهم الله - أن يَعضُّوا على ما جاء فيها بالنواجذ , وأن يسعوا إلى نشرها بكلِّ وسيلة ممكنة , بل هي أهلٌ لأن تُوزَّع على الطالبات في مراحل الدراسة المختلفة في بلاد المسلمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
د. محمد بن رزق بن طرهوني
المدينة النبوية في 15/11/1426هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده نبيِّنا وسيِّدنا وقدوتنا محمد صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم .
أما بعد : فقد اقترحَ بعضُ من يُظنُّ به الخير لمصالحَ يراها أنْ تُنشأ وزارة تختصُّ بشؤون المرأة , يتولاَّها امرأةٌ على مرتبة وزير , وكذلك : أن تتولَّى شؤون تعليم النساء امرأة على مرتبة وزيرة أو نائبة وزير , ودعا غيرهم إلى أن تولية المرأة بعض الوزارات , ودخولها الانتخابات الرئاسية في بعض الدول , ودَعَى بعضهم إلى إدخال المرأة في السلك الدبلوماسي فتكون منهن السفيرة والممثلة القنصلية .. إلخ .
ولقد عَدَّ الحافظ ابن رجب الحنبلي ت795هـ - رحمه الله - الرَّد على المقالات الضعيفة وتبيين الحقِّ في خلافها بالأدلة الشرعية : من النصيحة لله , ولكتابه , ولرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم , ولأئمة المسلمين , وعامتهم (1) .
ولبيان الحقِّ فيما ذُكر , والتعاون على البرِّ والتقوى أكتبُ عن حكم تولِّي المرأة للخلافة العظمى , والوزارة , ما دونها مما فيه ولاية لها على الرجال كالسفارة مثلاً , وذلك عبر الفصول التالية :
الفصل الأول : معنى الولاية , والوزارة , والسفارة .
الفصل الثاني : أقسام الوزارة , وشروط مُتقلِّدها .
الفصل الثالث : دلالة الكتاب على حُرمة تولِّي المرأة للولاية والوزارة والسفارة .
الفصل الرابع : دلالة السنة على حُرمة تولِّي المرأة للولاية والوزارة والسفارة .
الفصل الخامس : الإجماع على حُرمة تولِّي المرأة للولاية والوزارة والسفارة .
الفصل السادس : دلالة العقل على حُرمة تولِّي المرأة للولاية والوزارة والسفارة .
الخاتمة .
وإلى الرسالة نفعني الله والمسلمين بها .
الفصل الأول
معنى الولاية , والوزارة , والسفارة .
معنى الولاية أو الإمامة أو الخلافة :
قال أبو الحسن علي بن محمد الماوردي ت450هـ رحمه الله تعالى : ( الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ) (2).
والمعنى : وسياسة الدنيا به , أي : بالدين .
معنى الوزارة :
قال أبو بكر بن العربي ت543هـ رحمه الله : ( الوزارة ولاية شرعية , وهي عبارةٌ عن رَجُل موثوقٍ به في دينه , يُشاوره الخليفة فيما يَعِنُّ له من الأمور ) (3) .
معنى السَّفارة :
( عمل السفير ومقامه ) (4) , والسفير : ( الرسول والمصلح بين قومين , وفي القانون الدولي : مبعوث يُمثِّل الدولة لدى رئيس الدولة المبعوث إليها ) (5) .
وقال أبو زكريا محيي الدين النووي ت676رحمه الله : ( في آخر الباب الرابع من كتاب الخلع : أصل السفارة الإصلاح , يُقال : سفرت بين القوم أي أصلحت , ثمَّ سُمِّي الرسول سفيراً لأنه يسعى في الإصلاح ويُبعثُ له غالباً ) (6) .
الفصل الثاني
أقسام الوزارة , وشروط مُتقلِّدها .
ذكر علماء الأحكام السلطانية أنَّ الوزارة تنقسم إلى قسمين :
وزارة التفويض : وهي : ( أنْ يَسْتَوْزِرَ الإمامُ مَنْ يُفوِّضُ إليه تدبيرَ الأمور برأيه وإمضاءها على اجتهاده ) (7) .
( ويُعتبرُ في تقليد هذه الوزارة شروط الإمام ) (8) الأعظم من : الإسلام (9) , والتكليف (10) , والحرية (11) , والذكورة (12) , والعدَالة (13) , والاجتهاد (14) , والكفاية (15) ( إلاَّ النسب وحده ) (16) , ( فإنه لا يُعتبرُ فيه كونه قرشياً ) (17) .
وهي أشبه ما يكون بمنصب رئيس الوزراء (18) من جهة التفويض العام , أمَّا التفويض الْمُقيَّد فيدخل فيه بقيَّة الوزراء .
القسم الثاني : وزارة التنفيذ :
و ( هي التي لا يكونُ لصاحبها تدبير الأمور باجتهاده , وإنما يكونُ عملُه فيها قاصراً على تنفيذ أوامر الخليفة والتزامِ آرائه ) (19) .
وفي عصرنا الحاضر : لَمْ تَعُدْ فيه وزارات التنفيذ مقصورة على أوامر الحاكم الْمُقيَّدة بالأنظمة والقوانين , بلْ أصبحَ لكلِّ وزارة تنفيذية صلاحيات عامة لِمُتقلِّدها وفق الأنظمة , ووظائف مخصوصة به من توظيف , ونقل , وتأديب , وترقية , تقع الأمة والدولة تحت نظره وتصرُّفه عليهما بموجب تلك الصلاحيات في مجال وظائفه المختصِّ بها .
الفصل الثالث
حكم تولِّي المرأة للولاية والوزارة من القرآن الكريم .
لقد دلَّ القرآن الكريم على حُرمة تولِّي المرأة للولاية ووزارة التفويض والتنفيذ , ومن ذلك :
1 - قول الله تعالى : (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ( )) (النساء:34) (20) .
قال محمد بن أحمد القرطبي ت671هـ رحمه الله تعالى : ( أي يقومون بالنفقة عليهنَّ والذبِّ عنهنَّ , وأيضاً : فإنَّ فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو , وليس ذلك من النساء ) (21) .
وقال البغوي ت516هـ : ( يعني فضَّل الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية ) (22) .
وقال البيضاوي : ( يقومون عليهنَّ قيام الوُلاة على الرعيَّة , وعلَّل ذلك بأمرين : وهبي وكسبي فقال : (( بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القوة في الأعمال والطاعات , ولذلك خُصُّوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر والشهادة في مجامع القضايا ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها , والتعصيب وزيادة السهم في الميراث والاستبداد بالفراق ) (23) .
وقال محمد بن علي الشوكاني ت1250هـ : ( إنما استحقوا هذه المزية لتفضيل الله للرجال على النساء بما فضلهم به من كون فيهم الخلفاء والسلاطين والحكام والأمراء , والغزاة وغير ذلك من الأمور ) (24) .
وقال أبو الأعلى المودودي : ( هذا النصُّ يقطعُ بأنَّ المناصب الرئيسية في الدولة : رئاسة كانت أو وزارة ... لا تُفَوَّضُ إلى النساء ... ) (25) .
2 - قول الله تعالى : (( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)) (البقرة:228) (26) .
قال ابن أبي حاتم : ( حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ثنا وكيع قال : سمعت سفيان يقول : سمعت زيد بن أسلم يقول في قول الله : (( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ( )) قال : الإمارة ) (27) .
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي ت1376هـ رحمه الله : ( أي رفعة ورياسة وزيادة حق عليها , كما قال تعالى : (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ()) ومنصب النبوة , والقضاء , والإمامة الصغرى والكبرى , وسائر الولايات مختصٌّ بالرجال وله ضعفا ما لها في كثير من الأمور كالميراث ونحوه ((وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)) أي : له العزة القاهرة , والسلطان العظيم الذي دانت له جميع الأشياء , ولكنه مع عزته حكيم في تصرفه ) (28) .
3 - قول الله تعالى : (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) (الأحزاب:33) (29) .
دلَّت الآية الكريمة على وجوب لزوم المرأة المسلمة بيتها , وعدم خروجها منه إلاَّ عند الحاجة , ويدلُّ لذلك أيضاً ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ( خرجت سودة بنت زمعة ليلاً فرآها عمر فعرفها فقال : إنك والله يا سودة ما تخفين علينا , فرجعت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له وهو في حجرتي يتعشَّى وإن في يده لعرقاً , فأُنزل عليه , فرفع عنه وهو يقول : (( قد أذن الله لكنَّ أن تَخرجن لحوائجكنَّ )) (30) .
ومن أقوال المفسرين في الآية الكريمة :