إن أبناءنا هم نبات أيدينا وتفاعلنا معهم ، إنهم لا يكتسبون سلوكهم من فراغ ، بل يكتسبونه مما يرونه منا نحن ، من أسلوب تفاعلنا معهم أو مع الآخرين ، وإن كان الواقع يقول أنهم يكتسبون الآن كثيراً من مفاهيمهم مما يلقونه في أوساط كثيرة بعضها خارج المنزل بالمدرسة والنوادي ...
وبعضها قد يكون داخل المسجد من جيرة أو وسائل إعلامية .. إلا أن الأصل هو مسؤولية الوالدين عن تربية الأبناء ... حتى إذا نفضنا أيديهما من تربية أبنائهما كان هؤلاء الأبناء قوة لا تخضع لتلاعب المغرضين ، ولا لأهواء السفهاء .
إنهم أبناؤنا ونبتة أيدينا فلنعرف إذن كيف نربي هذه النبتة؟! وكيف نسقيها بماء الحب والمودة ؟ وكيف نحيطها بسياج من التربية والقيم والمبادئ ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبدالله ورسوله وصفوته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم . وبعد :
فإن تربية الأبناء عمل عظيم ، وحريّ أن تُبذل فيه الأوقات والأموال والطاقات ، هذا وقد سأل كثير من الأنبياء ذريةً صالحةً طيبة ثم اقتفى السلف نهج أنبيائهم في طلب الذرية الصالحة ، باذلين أسباب الهداية والصلاح لأبنائهم فأكرمهم الله بصلاح دُرّياتهم ، وكذلك فعل الصالحون من بعدهم ، وسيبقى السؤال جارياً على لسان كل أبٍ مؤمن مشفق كُلّما عطر أنفاسه بتلاوة هذه الآيات :
- قال تعالى: ?رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ?[البقرة: من الآية128]وقال تعالى: ? هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ?[ آل عمران: من الآية38].
وقد حَّمل النبي صلى الله عليه وسلم الوالدين مسؤولية تربية الأبناء .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((كُلكُم راعٍ وكُلكم مسؤولٌ عن رعيته ، الإمامُ راعٍ ، ومسؤولٌ عن رعيته ، والرجلُ راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأةُ راعيةٌ في بيت زوجها ، ومسؤولة عن رعيتها ، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته )) متفق عليه .
وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما مِنْ مولودٍ يُولد إلا يُولد على الفطرة ، فأبواه يُهودانه أو يُنصرانه أو يُمجسانه ، كما تنتج البهيمةُ بهيمةً جمعْاء، هل تُحسون فيها من جدْعاء؟)) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ?فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ?[ الروم: من الآية30]ويتعين علينا اليوم بصدق أن نبحث في سبيل الارتقاء بأنفسنا وأُمتنا ولا نكل ولا نمل لنعيد لأمتنا مجدها وعزها بشباب أمثال مصعب بن عمير وخالد بن الوليد ومعاذ ومعوذ ، إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، إن سعينا الحثيث وتعاضدنا سبب لتربية صحيحة سليمة ، منسجمة مع قيمنا العميقة وعقيدتنا الراسخة الفريدة في خِضم تلك الأُطروحات الإعلامية ، والانفتاح العالمي بثقافته الغربية المادية وبالتأكيد فإن هناك رجالاً أوفياء تحملوا المسؤولية في عمل دؤوبٍ يقومون بتلك المسموعات من الأشرطة المباركة ، والمطويات الطيبة والكتب النافعة ، وهناك رجال أخفياء يعلمهم الله يعملون في تربية أجيال أمتهم في المدارس والحلقات وغيرها من المحاضن التربوية . وبهذا تسود أمتُنا كما سادت في القرون الماضية حين تمسكت بكتاب الله وسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد بدأت الأمة تستعيد مجدها وعِزها بفضل الله عليها ولابد أن نتذكر أننا أمة موعودة وموسومة بالخير من ربها ، وما علينا إلا أن نعمل ما نستطيعه ، ولو أن كل شخص من المسلمين عمل ما يستطيع لتقدمنا وسُدْنا جميع الأمم .
أخي الأب المربي :
علينا أن نقرأ ونسمع ونطبق ونتطور ويزداد وعْيُنا لكيفية تربية أبنائنا في مثل هذا الزمان وأنه لا يسعنا إلا أن نواجه التحديات ونرتقي بفكرنا وثقافتنا .
وهذه محاولةٌ مني للإسهام والمشاركة والدخول في ميدان التربية ، راجياً وداعياً الله جلّ في علاه أن يقبل مني ، وينفع بها من قرأها ، أو دل عليها ، أو ساهم فيها ، وما كان فيها من صواب فمن ربِّ الأرباب ، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان ، وظني بإخواني المناصحة والتقويم وقد جعلتُها في نقاط تحرياً للإجمال بعيداً عن التفصيل والتكرار ، ومن أراد المزيد والتفصيل فما عليه إلا البحث والاطلاع والتطبيق ، وبالله التوفيق .