كان أبو حنيفة في زيارة شيخه الأعمش يوماً (والأعمش رحمه الله محدث علم فذ )، فجاء إلى الأعمش رجل يسأله عن مسألة في العلم فقال لأبي حنيفة: أجبه. فأجابه أبو حنيفة ، فقال له الأعمش : و من أين لك هذا ؟
- قال أبو حنيفة :
- من حديث حدثتَنيه هو كذا و كذا و أخذ يروى .
- فقال الأعمش: حسبك ما حدَّثتُكَ به في سنة تحدِّث به في ساعة، أنتم الأطباء و نحن الصيادلة.
**** و من ورعه و تقواه و عبادته لله تعالى: قال ابن المبارك: قلتُ لسفيان الثوري: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة، ما سمعتُه يغتاب عدواً له. قال: والله هو أعقل من أن يسلِّط على حسناته ما يذهب بها.
يعنى رجل يعرف مصلحته , و لا يسير خلف وساوس قرينه !
* كان أبو حنيفة يختم القرآن في ثلاث في الوتر.
قال مِسْعَر بن كِدَام أنه :
قرأ ليلة حتى وصل إلى قوله تعالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] فما زال يرددها حتى أذَّن الفجر. وردد قوله تعالى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، ليلة كاملة في الصلاة.
سيعود عصر النور رغمَ أنوفهم
ويخيب كلُّ منافقٍ خوَّانِ
هيهات نور الله لا يطفيه كيدُ
عصابةٍ حمقى من الصِّبيانِ
هيهات أن تخفَى معالمُ ديننا
ويزول طيبُ الروحِ والرَّيحانِ
*** عرض القضاء عليه ووفاته:
عرض عليه الخليفة القضاء مراراً وضُرِب من أجله !
و هو يرفض أن يصير ركنا له !
فهو لا يرى الفاحش القبيح براقا مليحا ... فالعلم يريه حقائق الأشياء و ينزع زخرفها و زينتها البالية الفانية ...
وقال أبو حنيفة للخليفة :
إني لا أصلُح ، قال الخليفة بل أنت تكذب أنت تصلُح، فقال: أرأيت، أنت تقول عني كذاب، فإني لا أصلح للقضاء.و عرض عليه من جديد تولي منصب القضاء فأبى ورفض فحبسه و جرى بينهما حوار قال فيه: اتقِ الله ولا ترع أمانتك إلا من يخاف الله والله ما أنا بمأمون الرضى فكيف أكون مأمون الغضب، لك حاشية يحتاجون إلى من يُكرمهم لك فلا أصلح لذلك. ثم حبسه وضربه على مشهد من العامة ثم أُخرِجَ من السجن و مُنِعَ من الفتوى والجلوس إلى الناس حتى توفي. وقبِلَ أبو حنيفة أن يعمل كأحد العمال في بناء سور بغداد تفادياً للنقمة، ولمّا أحسَّ بالموت سجد فخرجت نفسه وهو ساجد عام 150 هجرية
و كان الخليفة المنصور نادما أشد الندم بعدها و ردد بعد وفاة الإمام: من يعذرني من أبي حنيفة حياً وميتاً.!
أرأيتم الهزيمة النفسية الإنسانية [size=25]... يبقى الحق حقا..
قصص لا تهز القلب بل تنتزعه من بين الضلوع ...
فأين المقتدى !
ما أكرمَ الصبرَ وما أحسنَ الصدقَ
وما أزينهُ للفتى
الخرقُ شؤمٌ والتُّقى جنةٌ
والرِّفْقُ يمنٌ والقنوعُ الغنى
*********
• تلاميذه ...
من تلاميذه من كان على السنة , و منهم من تشعبت به السبل , و من تلاميذه الأعلام الذين صاروا علماء و أصبحوا آية بعده , و كتبوا فتاويه و اجتهاداته كلها و منهم :
العالم القاضى ( أبو يوسف ) مدوَّن فقه أبي حنيفة في الكتب , و كذا فعل محمد بن الحسن الشيبانى , الذي دوَّن كل فقهه والاجتهادات الأخرى حتى التي تراجع عنها،
وأبو حنيفة هو من رتب مسائل الفقه حسب أبوابها من طهارة وصلاة ... دوَّن أغلبها الإمام أبو يوسف في سجلات بلغت عشرات الألاف من المسائل المدونة . و انتقل تلامذته و هم بالمئات ( قيل أكثر من سبعمائة ) إلى بلادهم خاصة بلاد الأفغان وبخارى و الهند ...
و عين تلميذه العالم الفذ ( أبو يوسف ) قاضياً
وتولى القضاء لثلاثة من الخلفاء آخرهم هارون الرشيد
فكان يقضي بمذهب أبي حنيفة , و كذلك كان أغلب القضاة الذين كان ينصِّبهم , و تدون الأحكان بفقههم ، كل هذا جعل فقه الإمام أبي حنيفة ينتشر أكثر من غيره فى تلك المرحلة [size=25]........
و أبو يوسف هو : يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، الكوفي البغدادي. تتلمذ على يد صاحبه أبى حنيفة .
ثم رحل إلى المدينة وأخذ عن مالك بن أنس، وناظره في مسائل كان يقول فيها بمذهب أهل الرأى فى العراق فرجع عنها لقول مالك بن أنس رحمه الله , من آثاره كتاب الخراج وقد ألفه للرشيد، وكتاب النوادر، وأدب القاضي، والأمالي في الفقه، ، وغيرها !
أيا أمة المجد فى الغابر
إلام خمولك فى الحاضر
وما كان يعزى إليك الخمول
ولا كان يخطر بالخاطر
و صاحب آخر من أصحاب حامل المسك صار عالما نابغة , هو : زفر بن الهذيل المتوفى سنة 158هـ:
و اسمه زفر بن الهذيل بن قيس الكوفي ,و أصله من أصبهان .
و هو فقيه كبير أقام بالبصرة وتولى قضائها بجدارة .
* وإبراهيم بن طهمان المتوفى سنة 163هـ :
كان شديداً على أهل البدع (فرقة تسمى الجهمية) حتى إنه أخَّر رحلته إلى الحجِّ للرَّد عليهم ... فحماية الدين و نقائه من التأليف و التخريف أولى الأن ...
وألَّف في الرَّد عليهم كتاباً بعنوان "سنن ابن طهمان"
أرأيتم قطرات العطر التى خلفها المعلم ؟
* أما محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة 189هـ:
فأصله من دمشق , و نشأ بالكوفة فسمع من أبي حنيفة وأخذ عنه وبعد وفاة أبي حنيفة تعلم من أبي يوسف، ثم رحل إلى المدينة وأخذ عن مالك بن أنس، فقلل بذلك من كثرة الرأى فى فقهه , واتصل بالشافعي رحمه الله لما كان بالعراق , كان قاضيا فى عهد الرشيد ثم اعتزل القضاء ,و وقف نفسه على تعليم الفقه !!!
و كتبه هى معتمد مذهب الأحناف .....
أرأيتم ما يوسع الصدر الضيق !
أناس تعلموا فعملوا ...
علموا فباعوا , و أخلصوا فى البيع ... فلم يبق لأنفسهم حظ فى الدنيا ...
[/size][/size]