كان الخليفة المنصور يرفع من شأن أبي حنيفة و يكرمه ويرسل له العطايا و الأموال و لكن أبا حنيفة كان لا يقبل عطاءً. و لقد عاتبه المنصور على ذلك قائلاً: لم لا تقبل صلتي؟. فقال أبو حنيفة: ما وصلني أمير المؤمنين من ماله بشيء فرددته ولو وصلني بذلك لقبِلتُه إنما وصلني من بيت مال المسلمين ولا حق لي به !.... تأمل
*** وقع يوماً بين الخليفة المنصور وزوجته شقاق وخلاف بسبب ميله عنها ، فطلبت منه العدل فقال لها من ترضين في الحكومة بيني وبينك؟ قالت أبا حنيفة، فرضي هو به فجاءه فقال له: يا أبا حنيفة زوجتي تخاصمني فانصفني منها، فقال له أبو حنيفة: لِيتكلَّم أمير المؤمنين. فقال المنصور: كم يحلُّ للرجال أن يتزوج من النساء ؟ قال: أربع. قال المنصور لزوجته: أسمعتِ. فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين إنما أحلَّ الله هذا لأهل العدل فمن لم يعدل أو خاف أن لا يعدل فواحدة لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، فينبغي لنا أن نتأدَّب مع الله و نتَّعظ بمواعظه . فسكت المنصور وطال سكوته، فقام أبو حنيفة وخرج فلما بلغ منزله أرسلت إليه زوجة المنصور خادماً ومعه مال وثياب، فردها وقال: أقرئها السلام وقل لها إنما ناضلتُ عن ديني وقمتُ بذلك المقام لله ولم أرد بذلك تقرباً إلى أحد ولا التمستُ به دنيا.
أرأيتم !
لم يكن ليله فى انتظار ثقيل لمنحة أو نفحة , سوى من رب البرية , و لم يكن شاقا عليه أن ينطق بالحق , و لم يرهق قلبه بتعدد الرغبات و الميول , فلم يدر فكره فى دوائر الكلل و المعاناة للبحث عن حل وسط!
*** لزم أبو حنيفة عالِم عصره حمّاد بن أبي سليمان وتخرَّج عليه في الفقه , و استمر معه إلى أن مات.
حيث بدأ بالتعلم عنه وهو ابن 22 سنة و لازمه 18 سنة من غير انقطاع و لا نزاع
يقول أبو حنيفة: " بعد أن صحبتُ حمّاداً عشر سنين نازعتني نفسي لطلب الرياسة ، فأردتُ أن أعتزله و أجلس في حلقة لنفسي , فخرجتُ يوماً بالعشيّ وعزمي أن أفعل، فلمّا دخلتُ المسجد رأيتُه ولم تطب نفسي أن أعتزله فجئتُ فجلستُ معه، فجاء في تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة، وترك مالاً و ليس له وارث غيره، فأمرني أن أجلس مكانه , فما هو إلا أن خرج حتى وردت عليَّ مسائل لم أسمعها منه ، فكنتُ أجيب وأكتب جوابي.
ثم قَدِمَ، فعرضتُ عليه المسائل وكانت نحواً من ستين مسألة، فوافقني بأربعين وخالفني في عشرين، فآليتُ على نفسي ألا أفارقه حتى يموت و هكذا كان ".
سبحان الله على الصراحة و التواضع , فلم يكن من الحالمين بكرسى الفتوى و تلفيق الأجوبة , بل كان حريصا على الأمانة الثقيلة , فالقيم فى قلبه دافئة ,
و أنفاسه أمينة عليها , و يحتفظ بأزهار أحلامه الخالدة فى رضوان الله تعالى نضرة يانعة , لم تشبها شائبة حب الرياسة و الثناء , فتذبل و تصير أثرا ذابلا [size=25]...
و لم يؤخذ عليه سوى
* التوسع فى الفقه الفرضى , حيث يفترض الوقائع و يصمم لها حلا و فتوى ..
* قلة الأحاديث التى وصلته - نسبيا - مما أثر على اتساع مساحة الإجتهاد و زادها زيادة كبيرة , مع اشتراطه شهرة الحديث مع صحة سنده مما قلل مساحة القبول للحديث كحجة .
فتنته مع أبي هبيرة:
كان أبو هبيرة والياً بالكوفة ، و ظهرت الفتن بالعراق، فجمع فقهاءها ببابه , و فيهم ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود بن أبي هند ، فولّى كل واحد منهم صدراً من عمله، وأرسل إلى أبي حنيفة طالبا جعل الخاتم في يده ولا يُنفذ كتاب إلا من تحت يده ولا يخرج من بيت المال شيء إلا من تحت يده .
و كان إخضاع أبي حنيفة قهراً أو إغراءً .....
فامتنع النعمان ....
يره تفرح روحه بتلك الأمور , أما هو ففرح الروح عنده مختلف , فلا يرى المناصب أزهارا و أنهارا [size=25][size=25]... بل أحمالا ثقالا و تنازلات لا تصح ...
سُجِنَ أبو حنيفة وضُرِبَ ضرباً مبرحاً مؤلماً أياماً متتالية حتى سقط فاقد الوعي!
صمد و لم يقبل , فالشبهة أخت الحرمة !
* دخل يوماً أبو حنيفة على المنصور فقال له أحد الجالسين: هذا عالِم الدنيا اليوم.
فقال له المنصور: يا نعمان من أين أخذتَ علمك؟ قال: من أصحاب عبد الله ابن عمر عن عبد الله ابن عمر , و من أصحاب عبد الله ابن عباس عن عبد الله ابن عباس و من أصحاب عبد الله ابن مسعود عن عبد الله ابن مسعود .فقال المنصور احتطت لنفسك !
أرأيتم ! من أصحاب الصحابة عن الصحابة عن الحبيب العدنان عليه الصلاة و السلام ! مبلغا عن رب العزة سبحانه ... مما علمه الروح الأمين جبريل ..
ورد العلا أهدى لنا وردة **يا حبذا الورد من الورد
يا أحباب لم يكن هؤلاء الناس ملائكة يستحيل اللحاق بهم , بل كانوا بشرا مجتهدين ...
لم يكن أحدهم يقضى العمر أمام اللهو كالتلفاز و يظن أنه سيحقق أحلامه !
و لم تشغلهم أشياء تضخمت فى العصر الحديث
مثل الاهتمام المفرط بكل أمر خلا الحق !
بالصحة ، بحب المال , بالمستقبل الشخصى
بالشهرة ، بالنجومية بالشهوة , بالأغانى ,
بالحب , بالثرثرة , باللعب مثل لعب الكرة , بالطعام أو بالملابس والموضة
آه .[/size][/size]
[/size]