الحياة الزوجية وجحيم الطلاق
موضوع الطلاق موضوع يقلق الغيور المشفق ، حُقَّ لدمعِ العين أن يُسكب ، ولأنات الفؤاد أن تظهر ،
لكن أيتها الزوجة المباركة اعلمي جيدا أن الطلاق ليس نهاية الدنيا بل هو بداية حياة جديدة نعم ، الطلاق
رحمة ونعمة . . !فعندما تتحطّم الآمال يكون رحمة ، عندما تتناثر الأحلام الوردية يكون الطلاق رحمة
، عندما توأد العواطف في مهدها يكون الطلاق حينها رحمة وتصبح الآهات أصداء يمزعها الهواء ،
ويصير الحب شمعة تذوي !وركام ثلج تحرقه الشمس عندها يكون الطلاق رحمة !!!إنني لأعجب أشد
العجب وأنا اقرأ قوله جل وعز الرحيم بخلقه ( وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) .
أيها الزوج المبارك ..
هل لك أن تعرف مشاعر زوجتك في حال فراقك لها لا قدر الله ، ومدى العذاب النفسي الرهيب
والصراع الداخلي المرير التي تعيشه المطلقة الرجعية وهي تنتظر عودة زوجها الحبيب واسترجاعه لها
مع أنها قد تكون هي التي طلبت منه الطلاق ، نعم .. قد يستغرب بعض الأزواج تلك المشاعر من
زوجته مع أنها هي التي طلبت الطلاق ، وهنا لابد لك أيها الزوج أن تدرك أنك بالنسبة للمرأة كل شيء
، بل أنت حياتها ، بخلاف المرأة فإنها غالبا جزء من حياة الزوج . فإذا كان الأمر كذلك فليتق الله تعالى
أولئك الأزواج الذين يعبثون بالطلاق ويتلفظون به في اليوم عدة مرات ، بل ربما على أبسط الأشياء وأتفهها .
إن كلمة الطلاق أيها الزوج بالنسبة للأنثى هي كاسمها ، طلقة قاتلة مدوية ، تقتل مشاعرها وأحاسيسها
قبل أن تقضي على جسدها وآمالها وطموحاتها ، فالله ألله أيها الأزواج : رفقا بالقوارير ، رفقا بزوجاتكم
رفقا بكلمة الطلاق ، التي أصبحت على لسان أحدنا أسهل من شرب الماء البارد ، إن هذه الكلمة عند
الأنثى تعني نهاية الآمال وتحطيم الأحلام ، تعني الغروب الذي لا شروق بعده ، تعني الظلام الذي لا
نور يعقبه ، تعني الجراح الدامية التي لا شفاء لها ، فإياك إياك أيها الزوج إن طلبت زوجتك منك
طلاقها أن تلبي لها طلبها ، فالمرأة بطبيعتها عاطفية فربما اتخذت قرار الطلاق تحت تأثير الغضب
والانفعال والتهور ، ألا ترى كيف أن الله عز وجل جعل أمر الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة ، فحتى
ولو طلبت منك الطلاق فينبغي أن تكون حليما عاقلا متزنا ، فلا تجبها إلى ما طلبته منك ، لأنها إنما
فعلت ذلك بغير وعي منها ولا شعور ، ولا إدراك لعواقب الأمور ، ولا أدل على ذلك أنها لو كانت
صادقة في الطلاق وراغبة فيه حريصة عليه لما بكت عد سماعها كلمة طالق ، فألله ألله أيها الزوج كن
رجلا حليما لا أحمقا بليها ، وأما أنت أيتها الزوجة فلا بد أن تعرفي أن أصل الطلاق ليس حلا للمشاكل
وليس هو العلاج الناجع لأغلب الخلافات الزوجية ، بل هو في الحقيقة ينقل المرأة من نار الخلافات
الزوجية إلى جحيم الوحدة والوحشة والإشاعات ونظرات الشفقة وكلمات الغمز واللمز المؤلمة المريرة ،
وإنما يكون الطلاق حلا للمشاكل ، إذا استحالت العشرة الزوجية مع ذلك الزوج ، كأن يكون قاطعا
للصلاة بالكلية فلا يصلي لا في المسجد ولا في بيته ، ولذا فإني أدعوا كل زوجة ألا تلجأ حال وقوعها
في مشكلة مع زوجها إلى طلب الطلاق إلا في حالات الضرورة القصوى ، كأن يغلب على ظنها أن
الحياة مع هذا الزوج أصبحت مستحيلة ، وخشيت على نفسها من زوجها بالهلاك والتلف في دينها
وإيمانها أو في عفافها وشرفها ، أو في بدنها وجسدها فحينئذ يحق لها الطلاق والمطالبة بذلك ، لتنقذ
نفسها من جحيم قد لا يُطاق ، وهنا تأتي رحمة هذه الشريعة الإسلامية ، إذ أن الطلاق في هذه الحالة
رحمة بهذه الزوجة ، وأما عدا تلك الأحوال الطارئة فلتصبر الزوجة ولتحتسب ولتعلم أن طبيعة الدنيا دار
هموم وغموم ومشاكل وأحزان ، وكما قال الأول :
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار
كما أني أدعوا كل زوجة أن تعمل مقارنة سريعة بسيطة ، بين بيت زوجها بمشاكله وهمومه وآلامه وبين
بيت أهلها حين تعود إليه مطلقة ، فإن من المعلوم أن المرأة المطلقة إذا عادت إلى بيت أهلها وأبيها الذي
فارقته منذ سنين فستشعر بأنها غريبة بين أهلها وكأنها ضيف جديد نزل بهم ، بخلاف بيت الزوجية
فإنها لن تشعر فيه بالغربة مطلقا فهو بيتها وبيت أطفالها ، كما أن هناك فرق كبير بين بيت الزوجية
الذي تكون فيه هي الآمرة الناهية وهي المسئولة عن كل شيء فيه وصاحبة القرار الأول والأخير في
ترتيبه وتنظيمه ولها مطلق الحرية في الحركة والتنقل والتصرف داخله ، وبين بيت أهلها الذي لن يكون
لها عليه مهما بلغت محبة أهلها لها ولطفهم معها من السلطة وحرية التصرف واتخاذ القرار كما كان
الحال في بيت الزوجية ، وعلى المرأة أيضا أن تعلم أن الزوجة المطلقة التي ظنت أن الطلاق نجاة لها
من المشاكل الزوجية ، ستجد نفسها في جحيم آخر من المشاكل والخلافات إما مع زوجة الأب ، أو مع
زوجات إخوانها وهنا ستبدأ حرب فرض السيطرة على البيت بينها وبينهن وستكون تلك الزوجة المطلقة
هي الخاسرة وحينها تكون قد فرّت من مشاكل إلى مشاكل ربما تكون أشد وأبشع ، بل عليها أن تعلم أن
أطفالها الذين ربتهم في بيتها هم كحال الأطفال يلعبون ويمرحون ويكسرون كما يشاءون وأما في بيت
أهلها فالوضع مختلف جدا بالكلية ، فهل ستطيق المطلقة أن ترى أمها أو زوجة أبيها وهي تضرب واحدا
من أطفالها أمام عينيها ؟ فكم من الزوجات ندمن بعد طلاقهن أشد الندم ، وهي تقول : ردوني ، أعيدوني
إليه ، أنا لا أريد الطلاق ، كم من امرأة تمنت لو أنها صبرت على زوجها دون أن تواجه جحيم الطلاق
فألله ألله أيها الزوجة العاقلة .. لا تتسرعي في اتخاذ القرار ، فكم من سرعة أودت بقتلة والله المستعان .