الحب بين الحقيقة والخيال
إن الحب قبل الزواج حب زائف ووهم خادع ، فإن كلا من الشاب والفتاة يحرصان قبل الزواج على
الظهور أمام الطرف الآخر ، بمظهر مثالي رقيق متفاهم متفاني ، ليكسب ثقة الطرف الآخر وينال رضاه
ولكن هذا القناع المزيف ما يلبث أن يسقط ويتهاوى عند أول مشكلة تواجه هذين الزوجين في حياتهما
الاجتماعية ، إن الحب الذي ينموا في الظلام ويترعرع عبر مكالمات ورسائل الغرام ، الحب الذي لا
يظهر إلا في آخر الليل كالخفافيش ليس حبا عفيفا ولا عشقا صادقا ، بل هو حرق للأعصاب وإشغال
للقلوب والأرواح ، وقتل للمشاعر النبيلة ووأد للفضيلة ، إنه جحيم لا يُدرِك بشاعته وشناعته إلا من
جربه وعرفه ، أما الحب الشريف الحب الطاهر ، الحب النقي ، فهو الذي ينموا وينبت في النور ، وهو
الذي يُسقى بماء الحياء والفضيلة ، هو الحب الذي يَطرُق البيوت من أبوابها ، فليتأمل هذا .
كم من الرجال يتوهمون أن الزواج هو مقبرة الحب والرومانسية ، وأن الرومانسية في التعامل مع
الزوجة وتبادل الأحاسيس الرقيقة ، والمشاعر المرهفة معها ، وبثّها حديث الغرام ومناجاتها بأشعار الهيام
شيء خاص مقصور على أيام الملكة فقط تنتهي صلاحيته مع نهاية الملكة ، وهذا في الحقيقة ظن خاطئ
ووهم كبير ، بل إن الإعتراف المتبادل بالحب والمودة الصادقة الخالصة بين الزوجين هو الذي يسموا
ويترعرع ويكبر تحت ظل شجرة الزواج الوارفة الظليلة ، وقد يتوهم بعض الرجال أيضا وخاصة ممن
جاوزوا سن الأربعين وترحلوا عن رعيان الشباب أن التفاعل العاطفي وتبادل كلمات الحب والغرام
مقصور بالمتزوجين الجدد من الشباب والفتيات فقط ، أما هم فقد كبروا على هذه الأشياء ، وصارت عيبا
في حقهم فيا عجبا ، منذ متى أصبح الحب يهرم ويشيخ ؟
أيها الرجل اللبيب والزوج الكريم ..
إن أصفى الحب وأعذب العشق وأرقّ الغرام وأحلى الهيام بين الزوجين لا يكون إلا بعد الزواج نعم ..
بعد الزواج يتعرف الرجل على كثير من أخلاق زوجته ، وعاداتها وطبائعها الفاضلة فيزداد لها حبا
وإعجابا ، بعد الزواج تكون حِدة الغريزة الجنسية وثورة الشهوة الجسدية خفت وهدأت ، فيكون حبه
لزوجته حبا حقيقا ، لأنه يحبها لا لأجل شهوته ، وإنما لأخلاقها وأفكارها وطيبتها وحسن تعاملها معه
بعد الزواج يصبح الزوج لا يتأثر بالجمال الشكلي والإغراء الجسدي ، لأنه قد تعود عليه وألف ذلك
الجمال الشكلي والشيء المكرر المعتاد ، فيظهر جمال الروح والأخلاق حين يكتشف الزوج زوجته في
كل يوم خلقا جميلا ، وصفة نبيلة سامية وتضحية من أجله ، وسهرا على راحته وتفانيا في خدمته ،
فكأنها كل يوم عروس جديدة فتكبر في عينه ، ويزداد حبه لها .