الباب الأول في الإبانة عن كون اختلاف العبارات والاسماء موجبا لاختلاف المعاني
في كل لغة والقول في الدلالة على الفروق بينها
قال الشيخ أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل رحمه الله تعالى الشاهد على أن اختلاف العبارات
والاسماء يوجب اختلاف المعاني أن الاسم كلمة تدل على معنى دلالة الإشارة وإذا أشير إلى الشيء مرة
واحدة فعرف فالإشارة إليه ثانية وثالثة غير مفيدة وواضح اللغة حكيم لا يأتي فيها بما لا يفيد فإن أشير
منه في الثاني والثالث إلى خلاف ما أشير إليه في الأول كان ذلك صوابا فهذا يدل على أن كل اسمين
يجريان على معنى من المعاني وعين من الأعيان في لغة واحدة فإن كل اسمين يجريان على معنى من
المعاني وعين من الأعيان في لغة واحدة فإن كل واحد مهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر وإلا لكان
الثاني فضلا لا يحتاج إليه وإلى هذا ذهب المحققون من العلماء واليه أشار المبرد في تفسير قوله تعالى (
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قال فعطف شرعه على منهاج لأن الشرعة لأول الشيء والمنهاج
لمعظمة ومتسعه واستشهدت على ذلك بقولهم شرع فلان في كذا إذا ابتدأه وأنهج البلى في الثوب إذا اتسع
فيه قال وعطف الشيء على الشيء وان كانا يرجعان إلى شيء واحد كان في أحدهما خلاف للآخر فأما
إذا اريد بالثناني ما أريد بالأول فعطف أحدهما على الآخر خطأ لا تقول
جاءني زيد وأبو عبد الله إذا كان زيد هو أبو عبد الله ولكن مثل قوله من البسيط
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وذلكت أن المال إذا لم يقيد فإنما يعنى به الصامت كذا قال والنشب ما ينشب ويثبت من العقارات وكلك
قول الحطيئة من الطويل
ألا حبذا هند وأرض بها هند
وهند أتى من دونها الناي والبعد
________________________________________
وذلك أن النأي يكون لما ذهب عنك إلى حيث بلغ وأدنى ذلك يقال له نأي والبعد تحقيق التروح والذهاب
إلى الموضع السحيق والتقدير أتى من دونها النأي الذي يكون أول البعد والبعد الذي يكاد يبلغ الغاية قال
أبو هلال رحمه الله والذي قاله ههنا في العطف يدل على أن جميع ما جاء في القرآن وعن العرب من
لفظين جاريين مجرى ما ذكرنا من العقل واللب والمعرفة والعلم والكسب والجرح والعمل والفعل معطوفا
أحدهما على أخلا فإنما جاز هذا فيهما لما بينهما من الفرق في المعنى ولولا ذلك لم يجز عطف زيد على
أبي عبد الله إذ كان هوهو قال أبو هلال رحمه الله ومعلوم أن من حق المعطوف أن يتناول غير
المعطوف عليه ليصح عطف ما عطف به لعيه إلا إ 1 ا علم أن الثاني ذكر تفخيما وأفرج عما قبله
تعظيما نحو عطف جبريل وميكائيل على الملائكة في قوله تعالى ( من كان عدوا الله
وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) وقال بعض النحويين لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على معنيين
مختلفين حتى تضاف علامة لكل واحد منهما فإن لم يكن فيه لذلك علامة أشكل وألبس على المخاطب
وليس من الحكمة وضع الأدلة المشكلة إلا أن يدفع ذلكت ضرورة أ و علة ولا يجيء في الكلام غير ذلك
إلا ما شذ وقل وكما لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد علي معنيين فكذلك لا يجوز أن يكون اللفظان يدلان
على معنى واحد لأن في ذلك تكثير للغة بما لا فائدة فيه
________________________________________
قال ولا يجوز أن يكون فعل وأفعل بمعنى واحد كما لا يكونان على بناء واحد إلا أن يجي ذلك في لغتين
فأما في لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد كما ظن كثير من النحويين واللغويين وإنما
سمعوا العرب تتكلم بذلك على طباعها وما في نفوسها من معانيها المختلفة وعلى ما جرت به عاداتها
وتعارفها ولم يعرف السامعون تلك العلل والفروق فطنوا ما ظنوه من ذلك وتأولوا على العرب ما لا
يجوز في الحكم وقال المحققون من أهل العربية لا يجوز أن تختلف الحركتان في الكمتين ومعناهما واحد
قالوا فإذا كان الرجل عدة للشي قيل فيه مفعل مثل مرحم ومحرب وإذا كان قويا على الفعل قيل فعول مثل
صبور وشكور وإذا كان ذلك عادة له قيل مفعال مثل معوان ومعطاء ومهداء ومن لا يتحقق المعاني يظن
أن ذلك كله يفيد المبالغة فقط وليس الأمر كذلكت بل هي مع إفادتها المبالغة تفيد المعاني التي ذكرناها
وكذلك قولنا فعلت يفيد خلاف ما يفيد أفعلت في جميع الكلام إلا ما كان من ذلك لغتين فقولك سقيت
الرجل يفيد أنك أعطيته ما يشربه أو صببت ذلك في حلقه وأسقيته يفيد أنك جعلت له سقيا أو حظا من
الماء وقولك شرقت الشمس يفيد
________________________________________
خلاف غربت وأشرقت يفيد أنها صارت ذات اشراق ورعدت السماء أتت برعد وأرعدت صارت ذات
رعد فأما قول بعض أهل اللغة إن الشعر والشعر والنهر والنهر بمعنى واحد فإن ذلك لغتان وإذا كان
اختلاف الحركات يوجب اختلاف المعاني فاختلاف المعاني أنفسها أولى أن يكون كذلك ولهذا المعنى أيضا
قال المحققون من أهل العربية إن حروف الجر لا تتعاقب حتى قال ابن درستويه في جواز تعاقبها إبطال
حقيقة اللغة وإفساد الحكمة فيها والقول بخلاف ما يوجبه العقل والقياس قال أبو هلال رحمه الله وذلك أنها
إذا تعاقبت خرجت عن حقائقها ووقع كل واحد منهما بمعنى الآخر فأوجب ذلك أن يكون لفظان مختلفان
لهما معنى واحد فأبى المحققون أن يقولوا بذلك وقال به من لا يتحقق المعاني ولعل قائلا يقول إن امتناعك
من أن يكون للفظين المختلفين معنى واحد رد على جميع أهل اللغة لأنهم إذا أرادو أن يفسروا اللب قالوا
هو العقل أو الجرح قالوا هو الكسب أو السكب قالوا هو الصب وهذا يدل على أن اللب والعقل عندهم
سواء وكذلك نقول إلا أنا نذهب إلى أن قولنا اللب وان كان هو العقل فإنه يفيد خلاف ما يفيد قولنا العقل
ومثل ذلك القول وإن كان هو الكلام والكلام هو القول فإن كل واحد منهما يفيد بخلاف ما يفيده الآخر
وكذلك المؤمن وإن كان هو المستحق للثواب فإن قولنا مستحق للثواب يفيد خلاف ما يفيده قولنا مؤمن
وكذلك جميع ما في هذا الباب ولهذا المعنى قال المبرد الفرق بين ابصرته وبصرت به على اجتماعهما في
الفائدة أن بصرت به معناه أنك صرت بصيرا بموضعه وفعلت أي انتقلت إلى هذا الحال وأما أبصرته فقد
يجوز أن يكون مرة ويكون لأكثر من ذلك وكذلك أدخلته
ودخلت به فإذا قلت أدخلته جاز أن تدخله وانت معه وجا إلاتكون معه ودخلت به إخبار بأن الدخول لك
وهو معك بسببك وحاجتنا إلى الاختصار تلزمنا الاقتصار في تأييد هذا المذهب على ما ذكرناه وفيه كفاية