صلاة الليل:
و كان صلى الله عليه وسلم يقصر القراءة فيها تارة، ويطيلها أحيانا ويبالغ في إطالتها أحيانا أخرى، حتى
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
"صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة؛ فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوءٍ، قيل: وما هممت؟
قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم" 0
وقال حذيفة بن اليمان: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح (البقرة) فقلت: يركع عند
المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في [ركعتين]، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح (النساء) فقرأها، ثم
افتتح (آل عمران)(6) فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ
تعوذ، ثم ركع...." الحديث، و "قرأ ليلة وهو وجع السبع الطوال"(7) 0
و "كان - أحيانا - يقرأ في كل ركعة بسورة منها"0
و "ما عُلِمَ أنه قرأ القرآن كله في ليلة [قط]"0 بل إنه لم يرض ذلك لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه حين
قال له: "اقرأ القرآن في كل شهر، قال: قلت: أني أجد قوة، قال: فاقرأه في عشرين ليلة, قال: قلت: إني
أجد قوة , قال: فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك"0
ثم "رخص له أن يقرأه في خمس"
ثم "رخص له أن يقرأه في ثلاث"0
ونهاه أن يقرأه في أقل من ذلك وعلل ذلك في قوله له:
"من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهْهُ"0 وفي لفظ: "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث"0 ثم
في قوله له: "فإن لكل عابد شِرّة(8) ولكل شِرّة فترة، فإما إلى سنة، وإما إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك"0
ولذلك "كان صلى الله عليه وسلم لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث"0
وكان يقول: "من صلى في ليلة بمائتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين"0
و "كان يقرأ في كل ليلة ب(بني إسرائيل 17: 111) و (الزمر 39: 75)"0
وكان يقول: "من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين"0
و "كان - أحيانا - يقرأ في كل ركعة قدر خمسين آية أو أكثر"0
وتارة يقرأ قدر(يا أيها المزمل 73: 20)"0
و "ما كان صلى الله عليه وسلم يصلي الليل كله"(9) إلا نادرا،
فقد "راقب عبد الله بن خبّاب بن الأرت - وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - الليلة
كلها (وفي لفظ: في ليلة صلاها كلها) حتى كان مع الفجر، فلما سلم من صلاته قال له خبّاب: يا رسول
الله بأبي أنت وأمي لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها؟ فقال: أجل إنها صلاة رغب ورهب،
[وإني] سألت ربي عز وجل ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة: سألت ربي أن لا يهلكنا بما
أهلك به الأمم قبلنا (وفي لفظ: أن لا يهلك أمتي بسنة) فأعطانيها،
وسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدُّواً من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يُلبسنا شيعاً فمنعنيها"0
و "قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح وهي: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 5: 118) [ بها يركع، وبها يسجد، وبها يدعو]،[ فلما أصبح قال له أبو ذر رضي الله عنه: يا رسول الله ما زلت
تقرأ هذه الآية حتى أصبحت، تركع بها، وتسجد بها]،[وتدعو بها]،[وقد علمك الله القرآن كله]،[لو فعل هذا
بعضنا لوجدنا عليه؟] [قال: إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي، فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله
لمن لا يشرك بالله شيئاً"0
و "قال له رجل: يا رسول الله إن لي جارا يقوم الليل ولا يقرأ إلا (قل هو الله أحد112: 4)، [يرددها] [لا يزيد
عليها] كأنه يقللها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن"0