مثل الذي ينعق والمطلوب قيل الطالب العابد والمطلوب المعبود فهو عاجز متعلق بعاجز وقيل هو تسوية
بين السالب والمسلوب وهو تسوية بين الإله والذباب في الضعف والعجز وعلى هذا فالطالب الإله الباطل
والمطلوب الذباب يطلب منه ما استنقذه منه وقيل الطالب الذباب والمطلوب الآلهة فالذباب يطلب منه ما
يأخذه مما عليه والصحيح أن اللفظ يتناول الجميع فضعف العابد والمعبود والمستلب و المستلب فمن جعل
هذا الآلهة مع القوي العزيز فما قدره حق قدره ولا عرفه حق معرفته ولا عظمه حق عظمته
فصل ومنها قوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى
فهم لا يعقلون
فتضمن هذا المثل ناعقا أي مصوتا بالغنم وغيرها و منعوقا به وهو الدواب فقيل الناعق العابد وهو
الداعي للصنم والصنم هو المنعوق به المدعو وإن حال الكافر في دعائه كحال من ينعق بما لا يسمعه هذا
قول طائفة منهم عبد الرحمن بن زيد وغيره واستشكل صاحب الكشاف وجماعة معه هذا القول وقالوا
قوله إلا دعاء ونداء لا يساعد عليه لأن الأصنام لا تسمع دعاء ولا نداء وقد أجيب عن هذا الاشكال بثلاثة
أجوبة أحدها أن زائدة والمعنى بما لا يسمع دعاء ونداء قالوا وقد ذكر الأصمعي في قول الشاعر
جراجيج لا تنفعك إلا مناخة
أي ما تنفك مناخة وهذا جواب فاسد فإن إلا لا تزاد في الكلام
الجواب الثاني أن التشبيه وقع في مطلق الدعاء لا في خصوصات المدعو
الجواب الثالث أن المعنى أن مثل هؤلاء في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعآءهم كمثل الناعق بغنمه فلا
ينتفع بنعقته شيئا غير أنه في دعآء ونداء وكذا المشرك ليس له من دعائه وعبادته إلا العناء وقيل المعنى
ومثل الذين كفروا كالبهائم التي لا تفقه مما يقول الراعي أكثر من الصوت فالراعي هو داعي الكفار
والكفار هم البهائم المنعوق بها قال سيبويه المعنى ومثلك يا محمد ومثل الذين كفروا كمثل الناعق و
المنعوق به وعلى قوله فيكون المعنى ومثل الذين كفروا وداعيهم كمثل الغنم والناعق بها ذلك أن تجعل هذا
من التشبيه المركب وأن تجعله من التشبيه المفرق فإن جعلته من المركب كان تشبيها للكفار في عدم فقههم
وانتفاعهم بالغنم التي ينعق بها الراعي فلا تفقه من قوله شيئا غير الصوت المجرد الذي هو الدعاء والنداء
وإن جعلته من التشبيه المفرق فالذين
مثل الإنفاق بحبه كفروا بمنزلة البهائم ودعاؤهم إلى الطريق والهدى بمنزلة النعيق وإدراكهم مجرد الدعاء
والنداء كإدراك البهائم مجرد صوت الناعق والله أعلم