[*]
لقد أوضحت فيما سبق بأنه لا مانع من أن يمارس المسلم الرياضة عامة والتمارين الرياضية خاصة؛
إذا كان محافظًا على أداء الصلاة في أوقاتها الخمسة، ولكن المانع بل المحرم أن يمارس الرياضة أو
التمارين ويصرف لها الأوقات الطويلة وذلك كله على حساب الصلاة وأوقاتها، خاصة - وهذا هو لب
الموضوع - أن تلك التمارين ليست إلا صورة مشابهة لحركات الصلاة وهيئاتها، بل إنهم - وذلك في
بعض التمارين - يجعلون من حركات الصلاة النموذج الذي يجب أن يحتذوه في أداء التمرين، كما
سترى في تعليمات أحد التمارين بالصور المرافقة للموضوع، ولو تأملت جيدًا في هذه الصور لوجدت
أن جميعها تشبه حركات الصلاة.[/color]
[color=black]
إن هذه الصور وأمثالها تنشر عادة في كتب التمارين الرياضية وكتب اليوغا،
ولنفترض أنك كنت تتصفح أحد هذه الكتب ورأيت تمرينًا يشبه حركة من حركات الصلاة وقرأت بجانبه
عن بعض الفوائد التي يجنيها المتمرن بمواظبته على ممارسة هذا التمرين ثلاث مرات في الأسبوع،
فماذا تستنتج من ذلك خاصة وأنك تمارس هذا التمرين نفسه في الصلاة؟.
ستستنتج بأنك - ولا شك - تحصل أيضًا على نفس تلك الفوائد المذكورة بأدائك للصلاة، بل تصبح
متأكدًا وواثقًا من ذلك عندما تعلم بأنك لا تمارس هذا التمرين ثلاث مرات أو خمسًا في الأسبوع فقط،
بل تمارسه خمس مرات في اليوم الواحد، وهذا في الفرائض فقط دون السنن..! ولذلك سترى بأنه من
الأولى أن تنسب إلى الصلاة تلك الفوائد التي تذكر بجانب كل تمرين مشابه لحركة من حركات الصلاة.
وإليك الآن هذا الحساب اليسير لواحد من التمارين وهو (ميل الجذع للأمام)، وهذا يؤديه المصلي في (الركوع) و (السجود).
فالمتمرن يمارس هذا التمرين (10) مرات تقريبًا في الدرس الواحد، ومجموع ثلاث مرات في الأسبوع يكون:
10 × 3 = 30 مرة في الأسبوع.
نحسب الآن كم مرة يؤدي المسلم هذا التمرين في الصلاة في اليوم الواحد. إن مجموع ركعات الفرائض
ومتوسط عدد ركعات السنن يكون (30) ركعة، والمعروف أنه في كل ركعة هناك ركوع واحد، فيكون
مجموع عدد المرات: (30) مرة في اليوم.
والنتيجة: أن ما يؤديه المتمرن في أسبوع يؤديه المسلم في الصلاة في يوم واحد..! هذا ولم نحسب إلا
(الركوع)، فإذا حسبنا أيضًا (السجود) يصبح المجموع كالآتي، مع العلم بأن في كل ركعة سجودين:
30 ركعة × 2 سجود = 60 مرة في اليوم.
60 سجود + 30 ركوع = 90 مرة في اليوم.
أي أن المسلم يؤدي في الصلاة تمرين (ميل الجذع للأمام) في اليوم الواحد فقط، ثلاثة أضعاف العدد
الذي يؤديه الرياضي لهذا التمرين في أسبوع..!
وكما أن درس التمارين يحتوي على تمارين تشمل أعضاء الجسم الرئيسية: الرأس، الجذع، اليدين،
الرجلين. فإن حركات الصلاة تشمل هذه الأعضاء أيضًا.
أرأيت ما أعجب هذا..؟! فكما ذكرت من قبل، إن الصلاة عمل سهل وحركات قليلة ولكن إذا أحصيت
ما تؤديه فيها من الحركات في اليوم الواحد وجدت أرقامًا مذهلة، ومن ثَم ستكتسب من ذلك فوائد بدنية لا تحصى.
ولكن لا ينبغي للمسلم أن يؤدي الصلاة بنية الحصول على هذه الفوائد، بل يجب أن تكون نيته أنها عبادة
خالصة لله تعالى، ومع إنني أؤمن بأنه لا يوجد مسلم واحد قد يؤدي الصلاة بنية الحصول على الفوائد
البدنية فقط، إلا إنني أحببت أن أذكر ذلك حتى لا يخطئ أحد فهمي وقصدي، وفيما ذكرته تنبيه على ما تركته.
حركة الصلاة نموذج للرياضيين:
في تعليمات لأحد التمارين الرياضية في كتاب لليوغا جعلوا هيئة السجود في صلاة المسلم نموذجًا لكي
يقلده (اليوغي). وبالطبع ذكروا أن لهذا التمرين وتمرين آخر مماثل فوائد كذا وكذا، ولكننا نستطيع أن
ننسب هذه الفوائد للسجود أيضًا، بل وهذا هو الأولى، خاصة بالنسبة لمسألة عدد مرات التكرار. وإن
كان ذلك في حق هذا التمرين الذي يشبه السجود فهو أيضًا بحق كل التمارين التي تشبه حركات الصلاة
الأخرى
يذكرون عن فوائد مثل هذا التمرين ما يلي:
((هذا التمرين يعالج آلام العمود الفقري وعضلات الظهر ويقويها. ويفتح الشهية، ويقوي المعدة، وفوق
ذلك ينشط ويقوي الغدد الدرقية وفوق الدرقية والغدة الصنوبرية واللوزتين وغدد اللعاب والرقبة)).
يقول الدكتور محمود النسيمي: ((يستفيد المصلي من حركات الصلاة وفي اتخاذ الأوضاع القويمة أثناء
أداء أركان الصلاة والانتقال من ركن إلى ركن، يستفيد فائدة التمرين الرياضي وتقوية العضلات
الباسطة للعمود الفقري وفائدة إصلاح الأوضاع المعيبة من جهة ثانية. وبناء على ذلك تعتبر الحركات
والأوضاع الخاصة في الصلاة من الرياضة الغريزية، يجني ثمرتها المصلي مع أنه يؤدي تلك العبادة
بنية تنفيذ أمر الله تعالى طلبًا لمرضاته وتقربًا إليه))[4].
ويقول الدكتور عازوري: ((.. هذا وقد أحدث بعض العلماء تمارين لتقوية عضلات أسفل الظهر تشبه
حركات الصلاة في بعض صورها))[5].
إن في دوام الصلاة دوام الصلة الوثيقة بين الإنسان وخالقه. وإن في الصلاة ممارسة رياضية يومية
ذات طعم خاص تحفظ للإنسان العاقل لياقة البدن وصفاء الذهن. الصلاة إذًا رياضة الإيمان ودواء من
أدوية الرحمن ارتضاها الخالق وصاغها لعباده حبًا بهم ورحمة.
ها قد مضى إلى اليوم أكثر من أربعة عشر قرنًا على ما بشَّر به الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم من
تعاليم الرحمن، تعاليم تحفظ للإنسان تمازج لياقته البدنية وصحته النفسية واستقرارهما السليم.
فالصلاة ركن أساسي من أركان الشفاء، من أقامها تعافى ومن أهملها أصبح فريسة لشتى الأمراض،
وحضارة اليوم تفخر بممارسة الألعاب السويدية وجلسات اليوغا وخلوات التأمل ورياضة الإيقاع
(الحركات مع الموسيقى) وعشرات من أمثال هذه الأنشطة.
وحضارة اليوم تنصح بهذه الحركات والممارسات لمن هدَّت أعصابه عوامل التوتر والقلق، وحضارة
اليوم تنصح بالتأمل لمن يريد الاسترخاء وغاب عن مجتمعنا العربي قبل مجتمعات الغرب أن أداء
الصلاة يوميًا بخشوع وإيمان فيه كل الخير، وفيه الوقاية من الأمراض والشفاء، وفيه الطمأنينة
والهدوء، وفيه الفرح والسرور، وفيه زوال الهم والغم...
إن الصلاة بحق رياضة ذات نكهة ربانية لا يجاري فوائدها الصحية أي نظام رياضي على الإطلاق...
وإن لكل صلاة وقتًا ينبغي أن تقام في حينه. وهذه حكمة إلهية عظيمة سبقت ما أدركه علماء اليوم من
ميزة الممارسات الرياضية بشكل يومي بعيدًا عن إجهاد البدن، وهذا جل ما تتمتع به حركات الصلاة من مزايا.
ومما سبق نتيقن مدى أهمية وفائدة الصلاة وحركاتها التي تماثلها هذه التمارين الرياضية واليوغية، التي
ينصح الأطباء بها ويتسابق الناس -وفي الغرب خاصة- إلى ممارستها للحصول على فوائدها البدنية
والنفسية، مع إقامة الضجة حولها وكأنها اكتشاف عظيم، في حين هي جزء لا يتجزأ من صلاة -
يتكرر أداؤها خمس مرات في اليوم - جاء بها الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان.