ها نحن نودّع السنة الهجرية هذه ونستقبل السنة الهجرية الجديدة والمسلمون في
مشارق الأرض ومغاربها يحتفلون بهذه المناسبة ويتوقفون عند قصة الهجرة النبوية المباركة هجرة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق من مكة المكرمة إلى المدينة المنوّرة التي
نوّرها الله بنور الحبيب المصطفى.
وحريّ بنا ونحن في هذا المقام أن نقف عند دروس وعبر ومدلولات الهجرة لنستفيد منها في حياتنا
وواقعنا وحتى نستخلص منها أسباب القوة التي تحتاج إليها أمتنا في زمننا الحاضر.
لقد اجتمع المشركون في دار الندوة ليتشاوروا فيما يفعلون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم
خافوا من دعوته وأبوا الإيمان به والتخلي عن شركهم وعبادتهم الأصنام، وجاء إبليس لعنه الله في هيئة
شيخ نجدي كبير فلما رأوه واقفًا على باب الدار سألوه عمن يكون فأوهمهم أنه من أهل نجد وأخبرهم أنه
يريد مساعدتهم فيما هم مجتمعون لأجله.
وبعد أن تداولوا في أفكارٍ للخلاص بزعمهم من الرسول الأكرم أشار عليهم أبو جهل بن هشام أن يأخذوا
من كل قبيلة فتى جلدًا نسيبًا وسيطًا ويُعطى كل فتى سيفًا صارمًا فيعمدوا إلى النبي فيضربوه بها ضربة
رجل واحد فيقتلوه. وقال لهم أبو جهل إنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا.
فما كان من إبليس إلا أن وافق على هذا الرأي وشجعهم عليه وقال: "القول ما قال هذا الرجل، هذا الرأي ولا رأي غيره".
فتفرّق القوم على ذلك، فأتى جبريل عليه السلام وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبت هذه
الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه".
فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على باب النبي يريدون قتله، وأراد النبي الخروج من داره فطلب من
الإمام علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه وقال له: "إنه لن يخلص إليك شىء تكرهه منهم".
وخرج الرسول الأكرم من داره وأخذ الله تعالى أبصارهم عنه فلم يروه ونثر الرسول التراب على
رؤوسهم وهو يتلو قول الله تعالى: ﴿يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَىصِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ إلى قوله
تعالى: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾. ونجّى الله نبيه المصطفى من كيد المشركين ومكرهم ونصره على
أعدائه ومكّنه وأصحابه من أن يعودوا إلى مكة فاتحين وينشروا بعد ذلك الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية.
لقد حاول أعداء الإسلام منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضوا على الدعوة المحمدية وأن
يُثيروا الفتن بين المسلمين ولكن الله ألّف بين قلوب عباده المؤمنين فنصرهم وقد نصروه، وأعزّهم وقد
ءامنوا به وبرسوله ونصروا دينه وتمسكوا بالحق رغم الاضطهاد والبلاء والفقر.