فـي الطريق إلـى المدينة
و مضى الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه فـي طريقهما إلى المدينة، حتى إذا قام قائم الظهيرة أتى
أبو بكر صخرة لها بقية ظل فسواه وفرش للنبي صلى الله عليه وسلم فـيه، ثم انطلق هل يرى من
الطلب أحد، فإذا هو براعي غنم، فاستمنحه أبو بكر لبنا، فمنحه، فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فوافقه قد استيقظ، فشرب منه صلى الله عليه وسلم ثم ارتحلا والقوم يطلبونهم[1].
ثم واصلا طريقهما، وكان أبو بكر ردف النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو بكر إذا سئل: من هذا
الذي بين يديك ؟ فـيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، فـيحسب الحاسب انه يعني الطريق وإنما يعني سبيل
الخير [2].
قصة سراقة
و اسمه سراقة بن مالك بن جعشم من بني مُدلج، وكان قد خرج لملاحقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصاحبه طمعا فـي الجائزة، حتى إذا دنا من النبي صلى الله عليه وسلم عثرت به فرسه فاستقسم الأزلام
فخرج الذي يكره وهو ألا يضرهم، لكن غلبه الطمع فـي المائة ناقة، فعاود المحاولة ثانية فعثرت به فرسه
ثم ثالثة فساخت يدا فرسه فـي الأرض حتى بلغت الركبتين، فلما انتزع الفرس يديه من الأرض تبعهما
دخان كالإعصار فأيقن حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم ممنوع منه، وأن سيظهر أمره فنادى بالأمان
وعرض عليهم الزاد والمتاع، فلم يقبلا منه شيئا، وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : أخف عنا[3].
وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاب أمان، فكتبه حتى إذا كان فتح مكة أظهر
الكتاب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اليوم يوم وفاء وبر، فدنا منه، وأسلم[4].
و وفى سراقة بما أمره النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل لا يلقى أحدا إلا قال: كفـيتكم ماهنا[5]،
وهكذا كان أول النهار جاهدا على النبي صلى الله عليه وسلم وآخره مسلحة له[6]. فسبحان مقلب القلوب.
فـي خيمة أم معبد
و فـي طريقهم إلى المدينة مر الركب النبوي بخيمتي أم معبد الخزاعية، واسمها عاتكة بنت خالد، فسألوها
طعاما فلم يجدوا عندها شيئا، فقد كانت سنة جدب، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاة عندها
عجفاء، فاستأذن فـي حلبها، فقالت: بأبي أنت وأمي إن وجدت بها حلبا فاحلبها، فمسح صلى الله عليه
وسلم بيده الشريفة ضرعها، وسمى الله تعالى و دعا، فدر اللبن غزيرا، فارتوى القوم وخلفوا عندها إناء
مملوءا من لبن، فلما جاء زوجها أبو معبد استغرب الذي رأى من أمر الشاة، فأخبرته زوجه الخبر، فقال:
صفـيه لي: فوصفته بوصف بليغ، ثم قال: هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر، ولقد
هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا[7]