النوع الثاني : ما اختص به صلى الله عليه و سلم لذاته في الآخرة
ما اختص به صلى الله عليه و سلم من الخصائص والأحكام دون أمته وقد يشاركه في بعضها الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام
أولاً : وسيلة وفضيلة
الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا عبد واحد من عباد الله وهو رسولنا صلى الله عليه و سلم قال
الحافظ ابن كثير رحمه الله : (الوسيلة) علم على أعلي منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله صلى الله
عليه و سلم وداره في الجنة , وهي أقرب أمكنة الجنة إلي العرش
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضى الله عنهما – أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول :
إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي , فإنه من صلى علي صلى الله عليه به عشراً , ثم
سلوا الله لي الوسيلة , فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله , وأرجو أن أكون أنا هو
فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة
ثانياً : مقام محمود
لرسول الله صلى الله عليه و سلم يوم القيامة , تشريفات وتكريمات لا يشركه ولا يساويه فيها أحد
الأنبياء فمن دونهم ومن ذلك المقام المحمود , الذي يقومه صلى الله عليه و سلم فيحمده الخالق عز وجل
والخلائق من بعد قال تعالي وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً - سورة
الإسراء آية 79 قال ابن جرير الطبري رحمه الله : قال أكثر أهل العلم ذلك هو المقام الذي يقومه
صلى الله عليه و سلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: المقام المحمود : مقام الشفاعة
ثالثاً : شفاعة عظمى وشفاعات
يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد , وتدنو منهم الشمس وقد تضاعف
حرها وتبدلت عما كانت عليه من خفة أمرها ويعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين باعاً
ويلجمهم ويبلغ آذانهم في يوم مقداره خمسين ألف سنة , قياماً على أقدامهم شاخصة أبصارهم منفطرة
قلوبهم لا يكلمون ولا ينظر في أمورهم .فإذا بلغ الكرب والجهد منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم
بعضاً في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقهم , فلم يتعلقوا بنبي إلا دفعهم , قال : نفسي نفسي ,
اذهبوا إلى غيري حتى ينتهوا إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فينطلق فيشفع حتى يقضي الله تبارك
وتعالى بين الخلق وبعد هذه الشفاعة يكون له ولغيره شفاعات أخرى .فهذه هي الشفاعة العظمى
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بلحم فرفع إليه الذراع
وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ثم قال : أنا سيد الناس يوم القيامة , وهل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الناس
الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي , وينفذهم البصر , وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم
والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون
فيقول الناس : ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟
فيقول بعض الناس لبعض : عليكم بآدم
فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت ابو البشر , خلقك الله بيده , ونفخ فيك من روحه , وأمر
الملائكة فسجدوا لك ,اشفع لنا إلى
ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول أدم : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , إنه نهاني عن
الشجرة فعصيته , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى نوح
فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح أنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض , وقد سماك الله عبداً شكوراً ,
اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , إنه قد كانت لي
دعوة دعوتها على قومي , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى إبراهيم
فيأتون إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم أنك نبي الله وخليله من أهل الأرض , اشفع لنا إلى ربك , ألا
ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , وأني قد كنت كذبت
ثلاث كذبات , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى موسى
فيأتون موسى فيقولون : يا موسى , أنت رسول الله , فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا
إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , وإني قد قتلت نفساً
لم أومر بقتلها , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى عيسى
فيأتون عيسى فبقولون : يا عيسى أنت رسول الله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه , وكلمت الناس
في النهد صبياً , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , ولم يذكر ذنباً ,
نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى محمد
فيأتون محمد صلى الله عليه و سلم فيقولون : يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء , وقد غفر اله لك
ما تقدم من ذنبك وما تأخر , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فأنطلق , فآتى تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل , ثم يفتح الله على من محامده ومحاسنه وحسن
الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال : يا محمد , أرفع رأسك سل تعطه , واشفع تشفع
فأرفع رأسي فأقول : أمتي يا رب , أمتي يا رب , فيقال : يا محمد , أدخل من أمتك من لا حساب
عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة , وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب .ثم قال :
والذي نفسي بيدي إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير , أو كما بين مكة وبصرى
هذا , ولرسول الله صلى الله عليه و سلم شفاعات أخرى غير الشفاعة العظمى , منها ما اختص بها
وحده , ومنها ما شاركه فيها غيره ممن أذن الله تعالى له من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين
والصديقين والشهداء والصالحين وغيرهم