لما اشتد الكرب علي المسلمين ورسول الله من ايذاء المشركين اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفًا حازمًا ينقذ به
المسلمين عما دهمهم من
البلاء، ويخفف وطأته بقدر المستطاع
1 ـ اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومى مركزا للدعوة ومقرًا للتربية.
2ـ أمر المسلمين بالهجرة إلى الحبشة.
دار الأرقم
كانت هذه
الدار في أصل الصفا، بعيدة عن أعين الطغاة ومجالسهم، فاختارها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليجتمع فيها
بالمسلمين سرًا، فيتلو عليهم آيات الله ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة؛ وليؤدى المسلمون عبادتهم وأعمالهم، ويتلقوا ما
أنزل الله على رسوله
وهم في أمن وسلام، وليدخل من يدخل في الإسلام ولا يعلم به الطغاة من أصحاب السطوة
والنقمة.
ومما لم يكن يشك فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اجتمع
بالمسلمين علنا لحاول المشركون بكل ما عندهم من
القسوة والغلظة أن يحولوا بينه وبين
ما يريد من تزكية نفوسهم ومن تعليمهم الكتاب والحكمة، وربما أفضى ذلك إلى
مصادمة
الفريقين، بل قد وقع ذلك فعلًا. فقد ذكر ابن إسحاق أن أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم كانوا يجتمعون في
الشعاب، فيصلون فيها سرًا، فرآهم نفر من كفار قريش،
فسبوهم وقاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلًا فسال دمه،
وكان أول دم هريق في
الإسلام.
ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين
وإبادتهم، فكان من الحكمة السريةُ والاختفاء، فكان
عامة الصحابة يُخْفُون إسلامهم
وعبادتهم واجتماعهم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يجهر بالدعوة والعبادة
بين
ظهرإني المشركين، لا يصرفه عن ذلك شىء، ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرًا؛ نظرًا
لصالحهم وصالح الإسلام.
الهجرة الأولى إلى الحبشة
كانت بداية
الاعتداءات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة، بدأت ضعيفة، ثم لم تزل تشتد
يومًا فيومًا وشهرًا
فشهرا، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، ونبا بهم المقام في
مكة، وأخذوا يفكرون في حيلة تنجيهم من هذا العذاب
الأليم، وفي هذه الظروف نزلت سورة
الزمر تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة، وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة {لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ الله ِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أصْحَمَة النجاشى ملك الحبشة
ملك عادل، لا يظلم عنده أحد، فأمر
المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من
الم، لكن لما بلغت إلى الشاطئ كانوا قد انطلقوا آمنين، وأقام المسلمون في الحبشة في
أحسن جوار