فَتْرَة الوحى
أما مدة فترة الوحى فاختلفوا فيها على عدة أقوال. والصحيح أنها
كانت أيامًا، وقد روى ابن سعد عن ابن عباس ما يفيد
ذلك. وأما ما اشتهر من أنها
دامت ثلاث سنوات أو سنتين ونصفًا فليس بصحيح.
وقد ظهر لى شىء غريب بعد إدارة
النظر في الروايات وفي أقوال أهل العلم. ولم أر من تعرض له منهم، وهو أن هذه
الأقوال والروايات تفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجاور بحراء شهرًا
واحدًا، وهو شهر رمضان من كل سنة،
وذلك من ثلاث سنوات قبل النبوة،وأن سنة النبوة
كانت هي آخر تلك السنوات الثلاث، وأنه كان يتم جواره بتمام شهر
رمضان، فكان ينزل
بعده من حراء صباحًا ـ أي لأول يوم من شهر شوال ـ ويعود إلى البيت.
وقد ورد
التنصيص في رواية الصحيحين على أن الوحى الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد
الفترة إنما نزل وهو
صلى الله عليه وسلم راجع إلى بيته بعد إتمام جواره بتمام
الشهر.
أ
قول: فهذا يفيد أن الوحى الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد
الفترة إنما نزل في أول يوم من شهر شوال بعد نهاية
شهر رمضان الذي تشرف فيه بالنبوة
والوحى؛ لأنه كان آخر مجاورة له بحراء، وإذا ثبت أن أول نزول الوحى كان في
ليلة
الاثنين الحادية عشرة من شهر رمضان فإن هذا يعنى أن فترة الوحى كانت لعشرة أيام
فقط. وأن الوحى نزل بعدها
صبيحة يوم الخميس لأول شوال من السنة الأولى من
النبوة. ولعل هذا هو السر في تخصيص العشر الأواخر من رمضان
بالمجاورة والاعتكاف،
وفي تخصيص أول شهر شوال بالعيد السعيد، والله أعلم.
وقد بقى رسول الله صلى
الله عليه وسلم في أيام الفترة كئيبًا محزونًا تعتريه الحيرة والدهشة، فقد روى
البخاري في كتاب التعبير ما نصه:
وفتر الوحي فترة حزن النبي صلى الله عليه
وسلم فيما بلغنا حزنًا عدا منه مرارًا كى يتردى من رءوس شواهق الجبال،
فكلما أوْفي
بذِرْوَة جبل لكى يلقى نفسه منه تَبدَّى له جبريل فقال: يا محمد، إنك رسول الله
حقًا، فيسكن لذلك جأشه، وتَقَرّ
نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل
ذلك، فإذا أوفي بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك.