قدَّمتَ عمركَ للأحلامِ قربانَا لا خنتَ عهدًا ولا خَادعتَ إنسانَا
والآن تحملُ أحلامًا مبعثرةً هل هانَ حُلْمُكَ.. أم أنتَ الذى هانَا؟
قامرتَ بالعمرِ.. والأيامُ غانيةٌ مَنْ سَرَّهُ زمنًا سَاءَتْه أزمانَا
قد عشتَ ترْسُمُ أحلامًا لعاشقةٍ ذاقتْ كؤوسَ الهوى طُهرًا.. وعِصْيَانَا
زَيَّنْتَ للناسِ أحلامًا مُجَنَّحَةً بالحُلمِ حينًا.. وبالأوهامِ أحيانَا
في كلِّ قلبٍ غرستَ الحُبَّ أغنيةً غنَّى بها الشِّعرُ في الآفاقِ.. وَازْدَانَا
أحلامُكَ البحرُ يَطْوى الأرضَ في غضبٍ فَلا يَرى في المَدى أُفْقًا وشُطْآنَا
أحلامُكَ الصُّبْحُ.. يَسْرى كلما انْتفضتْ مواكبُ النُّورِ وسْطَ الليلِ نِيرانَا
أحلامُكَ الأمنُ.. يَبنى في غدٍ أمَلاً طفلا صغيرًا بِحُضنِ النيلِ نَشْوَانَا
أحلامُك الأرضُ تَخشى اللهَ في ورعٍ وتَرفعُ العدلَ بين الناسِ بُرهانَا
لا تَغضبوا من حديثى.. إنَّه ألمٌ.. كمْ ضاقَ قلبى به جَهرًا.. وكِتْمَانَا
عَصرٌ لَقيطٌ بِسيفِ القَهرِ شَرَّدَنَا وبَاعَنَا خِلْسَةً نَاسًا.. وأوْطَانَا
يا أُمَّةً قَايَضتْ بِالعجزِ نَخْوَتَهَا وشَوَّهَتْ دِينَها هَدْيًا.. وقُرْآنَا
يا أُمَّةً لَوَّثَتْ بِالعُهْرِ سَاحَتَها ومَارستْ فُجْرَهَا بَغْيًا.. وبُهْتَانَا
هَذِى خُيُولُكَ تحتَ السَّفْحِ قدْ وَهَنَتْ وأَغْمَضَتْ عَيْنَهَا بُؤْسًا.. وحِرْمَانَا
هَذِى رُبُوعُكِ بينَ العَجزِ قدْ سَكَنَتْ وَوَدَّعَتْ بِالأَسَى خَيْلاً.. وَفُرْسَانَا
هَذِى شُعُُوبٌ رَأتْ فى الصَّمْتِ رَاحَتَها وَاسْتَبْدَلَتْ عِيرَهَا بِالخَيْلِ أَزْمَانَا
هَذِى شُعُوبٌ رَأتْ فى الموتِ غَايَتَهَا وَاسْتَسْلَمَتْ للرَّدَى ذُلاً.. وَطُغْيَانَا
تَبْكى على العُمرِ فى أرضٍ يُلوِّثُهَا رِجسُ الفسادِ فَتُعْلِى القَهرَ سُلْطَانَا
بَاعُوا لنا الوَهمَ أَشْبَاحًا مُتَوَّجَةً مَنْ أَدْمَنُوا القَتلَ كُهَّانًا.. وأَعْوَانَا
بَينَ الجَمَاجِمِ تِيجَانٌ مُلوَّثَةٌ وفى المَضاجعِ يَلهُو الفسقُ أَلْوَانَا
لَمْ يَبْرَإِ الجُرْحُ.. لَمْ تَهْدَأْ عَوَارِضُهُ وإِنْ غَدَا فى خَرِيفِ العُمْرِ أَحْزَانَا
قَدَّمْتَ عُمْرَكَ لِلأحلامِ قُرْبَانَا هَلْ خَانَكَ الحُلْمُ.. أَمْ أَنتَ الذى خَانَا؟!
كَمْ عِشْتَ تَجْرِى وَراءَ الحُلْمِ فى دَأَبٍ وتَغْرِِسُ الحُبَّ بَينَ النَّاسِ إِيمَانَا
كَمْ عِشْتَ تَهْفُو لأَوْطَانٍ بِلاَ فَزَعٍ وَتَكْرَهُ القَيْدَ مَسْجُونًا.. وَسَجَّانَا
كَمْ عِشْتَ تَصْرُخُ كالمَجنونِ فى وَطنٍ مَا عَادَ يَعْرِفُ غَيْرَ المَوتِ عُنْوَانَا
كَمْ عِشْتَ تَنْبِشُ فى الأطْلالِ عَنْ زَمَنٍ صَلْبِ العَزَائِمِ يُحْيِى كُلَّ مَا كَانَا
كَمْ عِشْتَ تَرْسُمُ لِلأطْفالِ أُغْنِيَةً عَنْ أُمَّةٍ شَيَّدَتْ لِلعَدْلِ مِيزَانَا
فى سَاحَةِ المَجْدِ ضَوْءٌ مِنْ مَآثِرِهَا مَنْ زَلْزَلَ الكَونَ أَرْكَانَا.. فَأَرْكَانَا
صَانَتْ عُهُودًا.. وثَارَتْ عِنْدَمَا غَضِبَتْ وَخيْرُ مَنْ أَنْجَبَتْ فى الأَرْضِ إِنْسَانَا
سَادَتْ شُعُوبًا.. وكَانتْ كُلَّمَا انْتَفَضَتْ هَبَّتْ عليها رِياحُ الغَدْرِ عُدْوَانَا
هَانَتْ على أَهلِهَا مِنْ يَوْمِ أَنْ رَكَعَتْ لِلغَاصِبِينَ.. وَوَيْلُ المَرْءِ إِنْ هَانَا
يَجْرِى بِنَا الحُلْمُ فَوْقَ الرِّيحِ.. يَحْمِلُنَا ويَرْسُمُ الكَوْنَ فى العَيْنَيْنِ بُسْتَانَا
حَتَّى إِذَا مَا خَبَا.. يَرْتَاحُ فى سَأَمٍ وَفَوقَ أَشْلائِهِ تَبْكِى خَطَايَانَا
لا تَسْأَلِ النَّهْرَ.. مَنْ بِالعَجْزِ كَبَّلَهُ؟ وكَيْفَ أَضْحَى هَوَانَ العَجْزِ تِيجَانَا؟
لا تَسْأَلِ النَّاىَ.. مَنْ بالصَّمْتِ أَسْكَتَهُ؟ وكَيْفَ صَارَتْ "غَنَاوِى" النَّاىِ أَحْزَانَا؟
نَاىٌ حَزِينٌ أَنَا.. قَدْ جِئْتُ فى زَمَنٍ أَضْحَى الغِنَاءُ بِهِ كُفْرًا.. وَعِصْيَانَا
صَوْتٌ غَرِيبٌ أَنَا.. والأُفْقُ مَقبرةٌ فى كُلِّ شِبْرٍ تَرَى قَتْلى.. وَأَكْفَانَا
هَذَا هو الفَجْرُ.. كَالقِدِّيسِ مُرْتَحِلاً مُنَكَّسَ الرَّأَسِ بَينَ النَّاسِ خَزْيَانَا
غَنَّيْتُ عُمْرِى.. وَكَمْ أَطْرَبْتُكُمْ زَمَنًا وَكَمْ مَلأَتُ ضِفَافَ النِّيلِ أَلْحَانَا
غَنَّيْتُ لِلحُبِّ.. حَتَّى صَارَ أُغْنِيَةً فَوْقَ الشِّفَاهِ.. وَطَارَ النِّيلُ نَشْوَانَا
كَيْفَ البَلابِلُ غَابَتْ عَنْ شَوَاطِئِهِ وكَيْفَ يَحْضُنُ مَاءَ النِّيلِ غِرْبَانَا؟
عَارٌ عَلى النِّيلِ.. هَلْ يَنْسَابُ فى وَهَنٍ وتُصْبِحُ الأُسْدُ فى شَطَّيْهِ جُرْذَانَا؟
عَارٌ عَلى النِّيلِ يُلْقِى الكَأسَ مُنْتَشِيًا وكُلُّ طِفْلٍ بِهِ.. قَدْ نَامَ ظَمْآنَا!
فى الأفْقِ غَيْمٌ.. وَرَاءَ الغَيْمِ هَمْهَمَةٌ وَطَيْفُ صُبْحٍ بَدَا فى الليلِ بُرْكَانَا
صَوْتُ النَّوَارِسِِ خَلْفَ الأُفْقِ يُخْبِرُنى: البَحرُ يُخْفِى وَرَاءَ المَوْجِ طُوفَانَا
لا تَسْألِ الحُلمَ عَمَّنْ بَاعَ.. أو خَانَا واسْألْ سُجُونًا تُسَمَّى الآنَ أوْطَانا!
أَشْكُو لِمَنْ غُرْبَةَ الأيَّامِ فى وطنٍ يَمتدُ فى القلبِ شِرْيَانًا.. فَشِرْيَانَا؟
مَا كُنتُ أعْلمُ أنَِّ العِشقَ يَا وَطَنى يَومًا سَيَغْدُو مَعَ الأيَّامِ إدمانَا
عَلَّمْتَنا العِشْقَ.. حَتَّى صَارَ فى دَمِنَا يَسْرِى مَعَ العُمْرِ أَزْمَانًا.. فَأزْمَانَا
عَلَّمْتَنا.. كَيْفَ نَلْقَى المَوْتَ فى جَلدٍ وكَيْفَ نُخْفِى أَمَامَ النَّاسِ شَكْوَانَا
هَذَا هُوَ المَوْتُ يَسْرِى فى مَضَاجِعِنَا وأَنْتَ تَطْرَبُ مِنْ أنَّاتِ مَوْتَانَا
هَذَا هُوَ الصَّمْتُ يَشْكُو مِنْ مَقَابِرِنا فَكُلَّمَا ضَمَّنا.. صَاحَتْ بَقَايَانَا
بَاعُوكَ بَخْسًا.. فَهَلْ أَدْرَكتَ يَا وَطَنِى فِى مَأتمِ الحُلمِ قَلبِى فِيكَ كَمْ عَانَى؟!
سَفِينَةٌ أَبْحَرَتْ فى الليلِ تَائِهةً والمَوْجُ يَرْسُمُ فى الأَعْمَاقِ شُطآنَا
شِرَاعُهَا اليَأسُ.. تَجْرِى كُلَّمَا غَرِقَتْ حَتَّى تَلاشَتْ.. ولاحَ المَوْتُ رُبَّانَا
يَا ضَيْعَةَ العُمْرِ.. سَادَ العُمْرَ فى سَفَهٍ بَطْشُ الطُّغَاةِ.. وَصَارَ الحَقُّ شَيْطَانَا
كَمْ كُنْتُ أهْرَبُ.. والجَلادُ يَصْرخُ بِى: يَكْفِيكَ مَا قَدْ مَضَى سُخْطًا.. وَعِصْيَانَا
ارْجِعْ لِرُشْدِكَ.. فَالأحْلامُ دَانِيَةٌ واسْألْ حُمَاةَ الحِمَا صَفْحًا.. وَغُفْرَانَا
هَلْ أطْلُبُ الصَّفْحَ مِنْ لِصٍّ يُطَارِدُنِى؟ أَمْ أَطْلُبُ الحُلمَ مِمِّنْ بَاعَ أَوْطَانَا؟!
بَيْنَ الهُمُومِ أَنامُ الآنَ فى ضَجَرٍ.. قَدْ هَدَّنِى اليَأسُ.. فاسْتَسْلمتُ حَيْرَانَا
حَتَّى الأَحِبَّةُ سَارُوا فى غِوَايَتِهِمْ وَضَيَّعُوا عُمْرَنَا شَوْقًا.. وَحِرْمَانَا
خَانُوا عُهُودًا لَنَا.. قَدْ عِشْتُ أَحْفَظُهَا فَكَيْفَ نَحْفَظُ يَوْمًا عَهْدَ مَنْ خَانَا؟
إِنِّى لأَعْجَبُ.. عَيْنِى كَيْفَ تَجْهَلُنِى ويَقْطَعُ القَلْبُ فى جَنْبَىَّ شِرْيَانَا؟!
كَمْ عَرْبَدَ الشَّوْقُ عُمْرًا فى جَوَانِحِنَا وَقَدْ شَقِينَا بِهِ فَرْحًا وأشْجَانًا
مَا سَافرَ الحُبُّ.. مَا غَابَتْ هَوَاجِسُهُ ولا الزَّمَانُ بِطولِ البُعدِ أَنْسَانَا
إِنْ حلَّقَتْ فى سَمَاءِ الحُبِّ أُغْنِيَةٌ عَادَتْ لَيَالِيه تُشْجِى القَلْبَ أَلْحَانَا
لَمْ يَبْقَ شَىْءٌ سِوَى صَمْتٍ يُسَامِرُنَا وَطَيْفِ ذِكْرَى يَزُورُ القَلْبَ أَحْيَانَا
قََدَّمْتُ عُمْرِى لِلأَحْلامِ قُرْبَانَا.. لا خُنْتُ عَهْدًا.. وَلا خَادَعْتُ إِنْسَانَا
شَاخَ الزَّمَانُ.. وَأَحْلامِى تُضَلِّلُنِى وَسَارِقُ الحُلْمِ كَمْ بِالوَهَمِ أَغْوَانَا
شَاخَ الزَّمَانُ وسَجَّانِى يُحَاصِرُنى وَكُلَّمَا ازْدَادَ بَطْشًا.. زِدْتُ إِيمَانَا
أَسْرَفْتُ فى الحُبِّ.. فى الأَحْلامِ.. فى غَضَبِى كَمْ عِشْتُ أَسْألُ نَفْسِى: أيُّنََا هَانَا؟
هَلْ هَانَ حُلْمِى.. أَمْ هَانَتْ عَزَائِمُنَا؟ أَمْ إِنَّهُ القَهْرُ.. كَمْ بِالعَجْزِ أَشْقَانَا؟
شَاخَ الزَّمَانُ.. وَحُلْمِى جَامِحٌ أَبَدًا وَكُلْمَا امْتَدَّ عُمْرِى.. زَادَ عِصْيَانَا
وَالآنَ أَجْرِى وَرَاءَ العُمْرِ مُنْتَظِرًا مَا لا يَجِىءُ.. كَأنَّ العُمْرَ مَا كَانَا