وهذه بعض الآداب التي تراعى أثناء الذبح ..
قال النووي رحمه الله في المجموع (8/408) : .. بيان آداب الذبح وسننه سواء في ذلك الهدي والأضحية وغيرهما ، وفيه مسائل :
( أحدها ) : يستحب تحديد السكين وإراحة الذبيحة .. اهـ .
قلت : والدليل ماجاء في صحيح مسلم برقم ( 1955 ) من حديث شداد بن أوس قال : ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة ، وإذا ذبحتم بأحسنوا الذبح ، وليُحدَّ أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته ) .
( الثانية ) يستحب إمرار السكين بقوةٍ وتحاملٍ ذهاباً وعوداً ، ليكون أوجى وأسهل . اهـ .
( الثالثة ) : استقبال الذابح القبلة ، وتوجيه الذبيحة إليها ، وهذا مستحب في كل ذبيحة ، لكن في الهدي والأضحية أشد استحباباً ؛ لأن الاستقبال في العبادات مستحب ، وفي بعضها واجب .. اهـ .
قلت : وقد ورد في استقبال القبلة عند الذبح عن ابن عمر وغيره :-
1- أثر ابن عمر : أخرجه مالك في الموطأ ( ص 294 – 295 ) عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أهدى هدياً من المدينة ، قلده وأشعره بذي الحليفة ، يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد ، وهو موجه للقبلة ، يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ، ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصر ، وكان هو ينحر هديه بيده ، يصفهن قياماً ويوجههن إلى القبلة ثم يأكل ويطعم . وهذا سند صحيح .
2- وعند عبدالرزاق (4/489 ) عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان يكره أن يأكل ذبيحة إذا ذبحت لغير القبلة . وهذا سند صحيح .
3- أثر ابن سيرين : من طريق أيوب وأشعث بن سوار ، كلاهما عن ابن سيرين قال : كان يستحب أن توجه الذبيحة إلى القبلة . عبد الرزاق (4/490) وسنده صحيح .
ومن الآداب أيضاً : ما قاله النووي في المجموع (8/408 ) ويستحب أن ينحر البعير قائماً على ثلاث قوئم معقول الركبة وإلا فباركاً . اهـ .
قلت : والدليل على ذلك ما جاء عند البخاري برقم ( 1713 ) ومسلم برقم ( 1320 ) من حديث ابن عمر أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها ، فقال : ابعثها قياماً مقيدة ، سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم …
قال النووي : ويستحب أن يضجع البقر والشاة على جنبها الأيسر .. اهـ .
قلت : ودليله : حديث عائشة كما عند مسلم برقم ( 1967 ) وفيه : ( اشحذيها بحجر ) ففعلت ، فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه .. الحديث . والظاهر أنه اضجعه على شقه الأيسر ليستقبل به القبلة ، وليكون ذلك أمكن للذبح – غالباً – وقد مضى العمل بإضجاعها على الشق الأيسر ، قاله القرطبي في المفهم (5/362) .
ويستحب أن يقول في الضحية : اللهم هذا عني وعن آل بيتي أو عن آلي وآل فلان ، كما ورد نحوه عند مسلم برقم ( 1967 ) عندما ضحى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد قال الجمهور بجواز ذلك وكرهه أبو حنيفة وكره مالك قولهم : اللهم هذا منك وإليك ، وقال : هذه بدعة . واجاز ذلك ابن حبيب والحسن . اهـ من كلام القرطبي في المفهم (5/363) .
وبنحوه قال المقدسي في المغني (11/117 ) مع خلاف يسير ، وقال في قول الخرقي : وليس عليه أن يقول عند الذبح عمن ، لأن النية تجزئ ، قال المقدسي : لا أعلم خلافاً في أن النية تجزئ ، وإن ذكر من يضحي عنه فحسن ، لما روينا من الحديث . اهـ .
مسألة : إن كان عند المضحي عدة أضاحي ، فهل يفرقها على أيام الذبح ، أو يذبحها جميعاً في يوم واحد ؟
الجواب : إن كان ذبحها جميعاً يؤول إلى التلف والضياع ، فليفرقها ، وإلا فالأولى المسارعة بذبحها جميعها ، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث ذبح هو وعلي رضي الله عنه مائة بدنة ، كما في حديث جابر الطويل عند مسلم برقم ( 1218 ) وانظر كلام النووي في المجموع ( 8 / 424 ) والله أعلم .