تقديم بقلم : عمر عبيد حسنة
الحمد لله القائل : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } .. ( آل عمران : 110 ) ، الذي جعل خيرية هذه الأمة وتميزها ، وقوامها ، وكيانها ، وخلودها ، واستمراريتها ، منوطا بقيامها بالحق ، والدعوة إليه ، والنشر له ، والإغراء به ، واستمرار حراسته ، والدفاع عنه ، حيث لم يرض الله لها ـ وهي أمة الرسالة الخاتمة ـ أن تكون صالحة بذاتها ، بل لا بد أن تكون صالحة بذاتها ، مصلحة لغيرها ، مضحية في سبيل تمكين الحق ، مدافعة للباطل ، حتى تستحق صفة الخيرية ، والتميز ، والفضل .
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } ( المائدة : 8 ) .
ذلك أن الخاتمية تعني فيما تعني : توقف النبوات : وتوقف النبوة ، يعني : توقف التصويب من السماء ، لأي منكر وخروج وانحراف ـ لذلك لا بد من أن تكون القوامة على الحق ويكون التصويب مستمرا ، لأن الشر من لوازم الخير، والمنكر من لوازم المعروف ، والتدافع بين الخير والشر ، والمعروف والمنكر ، من سنن الله الاجتماعية في الخلق ، قال تعالى : { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } ( الرعد: 17 ) . وقال : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } .. ( الحج : 40 ) .
ولولا هذا الضرب ، بين الحق والباطل ، وهذا التدافع ، بين الخير والشر ، لتوقف التاريخ ، وانتهت الحياة ، وتوقف الاختيار ، ولم يبق أي معنى للتكليف وأي مدلول للابتلاء ، لذلك جعل الله التصويب في الرسالة الخاتمة ، وفي أمة الرسالة الخاتمة ذاتياً ، يمارس في ضوء قيم وهدايات وثوابت الوحي ، وجعله تكليفاً شرعياً ، يتحدد بمقدار الاستطاعة ، وسبيلاً لاستمرار الأمة ، ومناط خيريتها ، وتميزها ، كما أسلفنا .
ذلك أنه لا معنى لخلود الرسالة ، الذي يعني استمرار الحق ، واستمرار حراسته ، والقيام به ، وتقديم النماذج التي تجسدها في كل زمان ومكان ، إِذا لم يستمر التصويب ويستمر التجديد وإنتاج النماذج وتستمر الأمة القائمة به .