يوم عاشوراء
الكاتب: الشيخ د.علي بن عمر بادحدح
يوم عاشوراء هو اليوم الذي سنّ المصطفى صلى الله عليه وسلم صيامه ونوّه بفضله
كما روى ابن عباس رضي الله عنه قال: " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان" [ رواه البخاري ]، كما أضاف صلى الله عليه وسلم تعليلات وحِكَماً لصومه فيما رواه ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوماً يعني عاشوراء فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجّى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون فصام موسى شكراً لله فقال: "أنا أولى بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه" [متفق عليه]،
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع" [ رواه مسلم ]، وقال ابن حجر: " مَا هَمَّ بِهِ مِنْ صَوْم التَّاسِعِ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ بَلْ يُضِيفُهُ إِلَى الْيَوْمِ الْعَاشِرِ إِمَّا اِحْتِيَاطًا لَهُ وَإِمَّا مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُوَ الْأَرْجَحُ، وَبِهِ يُشْعِرُ بَعْضُ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا صُومُوا يَوْم عَاشُورَاء وَخَالِفُوا الْيَهُود , صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ، وَهَذَا كَانَ فِي آخِر الْأَمْرِ، وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِف فِيهِ أَهْل الْأَوْثَان، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّة وَاشْتُهِرَ أَمْر الْإِسْلَام أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ، فَوَافَقَهُمْ أَوَّلًا وَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتهمْ فَأَمَرَ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ يَوْمٌ قَبْله وَيَوْمٌ بَعْدَهُ خِلَافًا لَهُمْ ".
والمسلمون يستنبطون - من كل ما سبق - عِبراً كثيرة منها ما يلي:
1- الحرص والجد في شكر النعم بالطاعات والتقرّب إلى الله عز وجل، والله يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [ إبراهيم:7] .
2- العمل على اجتناب سخط الله بشكر نعمه واستقامة على أمره، والله جل وعلا يقول: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً) [ النساء:147]، ذكر السعدي أن الله: " يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه، فإذا أنبتم إليه فأي شيء يفعل بعذابكم؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، بل العاصي لا يضر إلا نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه، والشكر هو خضوع القلب، واعترافه بنعمة الله، وثناء اللسان على المشكور، وعمل الجوارح بطاعته، وألاّ يستعين بنعمه على معاصيه".
3- الإدراك العميق لفضل أمة الإسلام، والحرص الأكيد على تميّزها، والله جل وعلا يقول: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [ آل عمران:110]، ويقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [ البقرة:143]، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فُرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله فالناس لنا فيه تبع اليهود غداً والنصارى بعد غد) [ رواه البخاري ].
4- متابعة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والتزام سنته، واقتفاء أثره في الصيام، وتميّز المسلم عن غير المسلمين، وطلب الأجر والمثوبة، كما ورد في حديث عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: ( يكفّر السنة الماضية) [رواه مسلم].