95- باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير
708- عن أبي إِبراهيمَ وَيُقَالُ أبو محمد ويقال أَبو مُعَاوِيةَ عبدِ اللَّه بن أبي أَوْفي رضي اللَّه
عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَشَّرَ خَدِيجَةَ ، رضي اللَّه عنها ، بِبيْتٍ في الجنَّةِ مِنْ
قَصَبٍ ، لاصَخبَ فِيه ولا نَصب . متفقٌ عليه .
« الْقَصبُ » هُنا : اللُّؤْلُؤ المُجوفُ . « والصَّخبُ » الصِّياحُ واللَّغَطُ . «وَالنَّصَبُ » : التعبُ .
709- وعن أبي موسى الأشعريِّ رضي اللَّه عنه ، أَنَّهُ تَوضَّأَ في بيتهِ ، ثُمَّ خَرَجَ فقال:
لألْزَمَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، ولأكُونَنَّ معَهُ يوْمِي هذا ، فجاءَ المَسْجِدَ ، فَسَأَلَ عَن
النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقَالُوا : وَجَّهَ ههُنَا ، قال : فَخَرَجْتُ عَلى أَثَرِهِ أَسأَلُ عنْهُ ، حتَّى
دَخَلَ بئْرَ أريسٍ فجلَسْتُ عِنْدَ الْباب حتَّى قَضَى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حاجتَهُ وتَوضَّأَ،
فقُمْتُ إِلَيْهِ ، فإذا هُو قَدْ جلَس على بئر أَريس ، وتَوسطَ قفَّهَا ، وكَشَفَ عنْ ساقَيْهِ ودلاهمَا في
البِئِر ، فَسلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرفتْ .
فجَلسْتُ عِند الباب فَقُلت : لأكُونَنَّ بَوَّاب رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم اليوْم .
فَجاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه فدفَع الباب فقُلْتُ : منْ هَذَا ؟ فَقَالَ : أَبُو بكرٍ ، فَقلْت : على
رِسْلِك ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلتُ : يا رسُول اللَّه هذَا أَبُو بَكْرٍ يسْتَأْذِن ، فَقال: « ائْذَنْ لَه وبشِّرْه بالجنَّةِ
» فَأَقْبَلْتُ حتَّى قُلت لأبي بكرٍ : ادْخُلْ ورسُولُ اللَّه يُبشِّرُكَ بِالجنةِ ، فدخل أَبُو بَكْرٍ حتَّى جلَس
عنْ يمِينِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم معَهُ في القُفِّ ، ودَلَّى رِجْلَيْهِ في البئِرِ كما صنَعَ رَسُولُ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وكَشَف عنْ ساقيْهِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ وجلسْتُ ، وقد ترَكتُ أَخي يتوضأُ
ويلْحقُني ، فقُلْتُ : إنْ يُرِدِ اللَّه بِفُلانٍ يُريدُ أَخَاهُ خَيْراً يأْتِ بِهِ .
فَإِذا إِنْسانٌ يحرِّكُ الباب ، فقُلت : منْ هَذَا ؟ فَقال : عُمَرُ بنُ الخطَّابِ : فقُلْتُ: على
رِسْلِك ، ثمَّ جئْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَسلَّمْتُ عليْهِ وقُلْتُ : هذَا عُمرُ يَسْتَأْذِنُ
؟ فَقَالَ: « ائْذنْ لَهُ وبشِّرْهُ بِالجَنَّةِ » فَجِئْتُ عمر ، فَقُلْتُ : أَذِنَ أُدخلْ وَيبُشِّرُكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِالجَنَّةِ، فَدَخَل فجَلَسَ مَعَ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في القُفِّ عَنْ
يسارِهِ ودَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئْر ، ثُمَّ رجعْتُ فَجلَسْتُ فَقُلْت : إن يُرِدِ اللَّه بِفلانٍ خَيْراً يعْني
أَخَاهُ يأْت بِهِ .
فجاء إنْسانٌ فحركَ الباب فقُلْتُ : مَنْ هذَا ؟ فقَال : عُثْمانُ بنُ عفانَ . فَقلْتُ : عَلى رسْلِكَ
، وجئْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأْخْبرْتُه فَقَالَ : « ائْذَن لَهُ وبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوى
تُصيبُهُ » فَجئْتُ فَقُلتُ : ادْخلْ وَيُبشِّرُكَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى
تُصيبُكَ ، فَدَخَل فَوَجَد القُفَّ قَدْ مُلِئَ ، فَجَلَس وُجاهَهُمْ مِنَ الشَّقِّ الآخِرِ . قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ
: فَأَوَّلْتُها قُبُورهمْ. متفقٌ عليه .
وزاد في روايةٍ : « وأمَرني رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بحِفْظِ الباب وَفِيها : أَنَّ
عُثْمانَ حِينَ بشَّرهُ حمِدَ اللَّه تعالى ، ثُمَّ قَال : اللَّه المُسْتعَانُ .
قوله : « وجَّهَ » بفتحِ الواوِ وتشديدِ الجيمِ ، أَيْ : توجَّهَ . وقوله : « بِئْر أريسٍ » : هو
بفتحِ الهمزةِ وكسرِ الراءِ ، وبعْدَها ياء مثَناةٌ مِن تحت ساكِنَةٌ ، ثُم¢َّ سِينٌ مهملةٌ ، وهو
مصروفٌ ، ومنهمْ منْ منَع صرْفَهُ . « والقُفُّ » بضم القاف وتشديدِ الفاء : هُوَ المبْنيُّ حوْلَ
البِئْرِ . قوله : « عَلى رِسْلِك » بكسر الراءِ على المشهور ، وقيل بفتحها ، أَيْ : ارْفُقْ .
710- وعنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنهُ قال : كُنَّا قُعُوداً حَوْلَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم، وَمعَنَا أَبُو بكْرٍ وعُمَرُ رضي اللَّه عنهما في نَفَر ، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
مِنْ بينِ أَظْهُرِنا فَأَبْطَأَ علَيْنَا وخَشِينا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنا وَفَزِعْنَا فقُمنا ، فَكُنْتُ أَوّل من فَزِع .
فَخَرَجْتُ أَبْتغي رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، حتى أَتَيْتُ حَائِطاً للأَنْصَارِ لِبني النَّجَّارِ ،
فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ باباً ؟ فلَمْ أَجِدْ ، فإذَا ربيعٌ يدْخُلُ في جوْف حَائِط مِنْ بِئرٍ خَارِجَه
والرَّبيعُ: الجَدْوَلُ الصَّغيرُ فاحتَفزْتُ ، فدَخلْتُ عَلى رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم .
فقال : « أَبو هُريرة ؟ » فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا رسُولَ اللَّهِ ، قال : « ما شَأنُك » قلتُ : كُنْتَ بَيْنَ
ظَهْرَيْنَا فقُمْتَ فَأَبَطأْتَ علَيْنَا ، فَخَشِينَا أَنْ تُقَتطعَ دُونَنا ، ففَزعنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ منْ فَزعَ فأَتَيْتُ هذَا
الحائِطَ ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعلبُ ، وَهؤلاءِ النَّاسُ وَرَائي .
فَقَالَ : « يَا أَبا هريرة » وأَعطَاني نَعْلَيْهِ فَقَال : « اذْهَبْ بِنَعْلَي هاتَيْنِ ، فَمنْ لقيتَ مِنْ وَرَاءِ
هَذا الحائِط يَشْهَدُ أَنْ لا إلهِ إلاَّ اللَّهُ مُسْتَيْقناً بها قَلبُهُ ، فَبَشِّرْهُ بالجنَّةِ » وذَكَرَ الحدِيثَ بطُولِهِ ، رواه مسلم .
« الرَّبيعُ » النَّهْرُ الصَّغِيرُ ، وَهُوَ الجدْوَلُ بفتح الجيم كَمَا فَسَّرهُ في الحَدِيثِ. وقولُه:
« احْتَفَزْت » رويَ بالرَّاءِ وبالزَّاي ، ومعناهُ بالزاي : تَضَامَمْتُ وتصَاغَرْتُ حَتَّى أَمْكَنَني الدُّخُولُ .
711- وعن ابنِ شُماسَةَ قالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بنَ العاصِ رضي اللَّهُ عنه ، وَهُوَ في سِيَاقَةِ
المَوْتِ فَبَكى طَويلاً ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلى الجدَارِ ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ : يا أَبَتَاهُ ، أَمَا بَشَّرَكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بكَذَا ؟ أَما بشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بكَذَا ؟
فَأَقْبلَ بوَجْههِ فَقَالَ : إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّه ، وأَنَّ مُحمَّداً رسُول اللَّه إِنِّي قَدْ
كُنْتُ عَلى أَطبْاقٍ ثَلاثٍ : لَقَدْ رَأَيْتُني وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضاً لرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنِّي
، وَلا أَحبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ قَدِ استمْكنْت مِنْهُ فقَتلْتهُ ، فَلَوْ مُتُّ عَلى تِلْكَ الحالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّار .
فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ في قَلْبي أَتيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقُلْتُ : ابْسُطْ يمينَكَ فَلأُبَايعْكَ ،
فَبَسَطَ يمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي ، فقال : « مالك يا عمرو ؟ » قلت : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرطَ قالَ : «
تَشْتَرطُ ماذَا ؟ » قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لي ، قَالَ : أَمَا عَلمْتَ أَنَّ الإِسْلام يَهْدِمُ ما كَانَ قَبلَهُ، وَأَن
الهجرَةَ تَهدمُ ما كان قبلَها ، وأَنَّ الحَجَّ يَهدِمُ ما كانَ قبلَهُ ؟ »
وما كان أَحَدٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلا أَجَلّ في عَيني مِنْه ، ومَا
كُنتُ أُطِيقُ أَن أَملأَ عَيني مِنه إِجلالاً له ، ولو سُئِلتُ أَن أَصِفَهُ ما أَطَقتُ ، لأَنِّي لم أَكن أَملأ
عَيني مِنه ولو مُتُّ على تِلكَ الحَال لَرَجَوتُ أَن أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ .
ثم وُلِّينَا أَشيَاءَ ما أَدري ما حَالي فِيهَا ؟ فَإِذا أَنا مُتُّ فلا تصحَبنِّي نَائِحَةٌ ولا نَارٌ ، فإذا
دَفَنتموني ، فشُنُّوا عليَّ التُّرَابَ شَنًّا ، ثم أَقِيمُوا حولَ قَبري قَدْرَ ما تُنَحَرُ جَزورٌ ، وَيقْسَمُ لحْمُهَا
، حَتَّى أَسْتَأْنِس بكُمْ ، وأنظُرَ ما أُراجِعُ بِهِ رسُلَ ربي . رواه مسلم .
قوله : « شُنُّوا » رُويَ بالشين المعجمة وبالمهملةِ ، أَي : صبُّوهُ قليلاً قَليلاً . واللَّه سبحانه أَعلم