بابُ الحثِّ على الازدياد من الخير في أواخِر العُمر
- وأمَّا الأحاديث فالأوَّل : عن أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم قال : «أعْذَرَ اللَّهُ إلى امْرِىءٍ أخَّرَ أجلَه حتى بلَغَ سِتِّينَ سنةً » رواه البخارى.
قال العلماءُ معناه : لَمْ يتْركْ لَه عُذْراً إذ أمْهَلَهُ هذِهِ المُدَّةَ . يُقال : أعْذَرَ الرَّجُلُ إذا بلغَ الغاية
في الْعُذْرِ .
- الثاني : عن ابن عباس ، رضي اللَّه عنهما ، قال : كان عمر رضي اللَّه عنه يُدْخِلُنى
مَع أشْياخ بْدرٍ ، فَكأنَّ بعْضَهُمْ وجدَ فِي نفسه فقال : لِمَ يَدْخُلُ هَذِا معنا ولنَا أبْنَاء مِثْلُه ،؟ فقال
عمرُ : إِنَّهُ من حيْثُ علِمْتُمْ ، فدَعَانى ذاتَ يَوْمٍ فَأدْخلَنى معهُمْ ، فما رأَيْتُ أنَّه دعانى يوْمئِذٍ إِلاَّ
لِيُرِيهُمْ قال : ما تقولون في قول اللَّه تعالى : { إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ} [الفتح : 1 ]
فقال بَعضُهُمْ : أمِرْنَا نَحْمَدُ اللَّهَ ونَسْتَغْفِره إذَا نَصرنَا وفَتَحَ علَيْنَا . وسكَتَ بعضهُمْ فلم يقُلْ شيئاً
فقال لى : أكَذلك تقول يا ابنَ عباس ؟ فقلت : لا . قال فما تقول ؟ قلت : هُو أجلُ رسولِ
اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، أعْلمَه له قال : { إذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفتحُ} وذلك علامة أجلِك
{ فَسَبِّحْ بِحمْدِ رَبِّكَ واسْتغْفِرْهُ إِنَّه كانَ تَوَّاباً} [ الفتح : 3 ] فقال عمر رضي اللَّه عنه :
ما أعْلَم منها إلاَّ ما تَقُول . رواه البخارى .
- الثالث : عن عائشةَ رضي اللَّه عنها قالت : ما صَلَّى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم صلاةً بعْد أَنْ نزَلَتْ علَيْهِ { إذَا جَاءَ نصْرُ اللِّهِ والْفَتْحُ } إلاَّ يقول فيها : « سُبْحانك
ربَّنَا وبِحمْدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لى » متفقٌ عليه .
وفي رواية الصحيحين عنها : كان رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِر أنْ يَقُول فِي ركُوعِه وسُجُودِهِ : « سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ ربَّنَا وَبحمْدِكَ ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لي » يتأوَّل الْقُرْآن .
معنى : « يتأوَّل الْقُرُآنَ » أيْ : يعْمل مَا أُمِرَ بِهِ في الْقُــرآنِ في قولِهِ تعالى : {فَسبِّحْ بِحمْدِ ربِّكَ واستَغْفِرْهُ } .
وفي رواية لمسلم : كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِرُ أنْ يَقولَ قبْلَ أَنْ يَمُوتَ :
«سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحْمدِكَ ، أسْتَغْفِركَ وأتُوبُ إلَيْكَ » . قالت عائشةُ : قلت : يا رسولَ اللَّه ما
هذِهِ الكلِمَاتُ الَّتي أرَاكَ أحْدثْتَها تَقولها ؟ قــال : « جُعِلَتْ لِي علامةٌ في أمَّتي إذا رَأيتُها قُلتُها
{إذَا جَاءَ نَصْرُ اللِّهِ والْفَتْحُ } إلى آخر السورة».
وفي رواية له : كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ : « سُبْحانَ اللَّهِ
وبحَمْدِهِ . أسْتَغْفِرُ اللَّه وَأَتُوبُ إلَيْه » . قالت : قلت : يا رسولَ اللَّه ، أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْل :
سُبْحَانَ اللَّهِ وبحمْدِهِ ، أسْتغْفِر اللَّه وأتُوبُ إليْهِ ؟ فقال : « أخْبرني ربِّي أنِّي سَأرَى علاَمَةً فِي
أُمَّتي فَإِذَا رأيْتُها أكْثَرْتُ مِن قَوْلِ : سُبْحانَ اللَّهِ وبحَمْدِهِ ، أسْتَغْفِرُ اللَّه وَأتُوبُ إلَيْهِ : فَقَدْ
رَأَيْتُها: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللِّهِ والْفَتْحُ } فَتْحُ مَكَّةَ ، { ورأيْتَ النَّاس يدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ
أفْوَاجًا ، فَسبحْ بحمْدِ ربِّكَ واسْتَغفِرْهُ إنَّهُ كانَ توَّاباً } .
- الرابع : عن أنسٍ رضي اللَّهُ عنه قال : إنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ تَابعَ الوحْيَ على رسول
اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَبْلَ وَفَاتِهِ ، حتَّى تُوُفِّى أكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ . متفقٌ عليه .
- الخامس : عن جابر رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُبْعثُ
كُلُّ عبْدٍ على ما مَاتَ علَيْهِ » رواه مسلم .