أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم
معاملة ذوي القربى و الأرحام
ذوو القربى: هم الأقارب الذين تجمعهم رحم واحدة سواء كانوا من جهة الأب او الأم و يسمون
بالأرحام كما ان الأقارب و الأرحام بمعنى واحد
عناية القرآن الكريم بالإحسان إلى الأقارب و الأرحام
حث الله تعالى على الإحسان إلى الأقارب و الأرحام في كثير من الآيات مثل قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ
حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ" (البقرة-83) و الآية و إن
كانت تتحدث عن بني إسرائيل فإنها تشمل المؤمنين بالأولى
كما خاطب الله تعالى المؤمنين بآيات عدة بأسلوب الأمر الصريح او الترهيب الشديد ففي قوله تعالى:"
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء
وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"(النساء-1)
و في قوله تعالى: "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن
كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا" (النساء-36)
و قوله تعالى: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا" (الإسراء-26) و قد سمى
الله تعالى ما أمر به (حقاً) بمعنى أنهم يعطونه على سبيل الاستحقاق لا على سبيل التفضل و الامتنان
و قد نص الله تعالى بعض صور الإحسان إليهم كقوله تعالى: "وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا" (النساء-8) و فيها حث من الله تعالى عند قسمة
المواريث ان يصلوا أرحامهم و يتاماهم و مساكينهم من الوصية فان لم تكن وصية وصل لهم من
الميراث شيئاً يرون به و يكسب في قلوبهم الود و المحبة (جامع أحكام القرآن للقرطبي)
و قد أثنى الله تعالى على الواصلين أرحامهم و جزاهم عنها خير الجزاء فقد قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَصِلُونَ
مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ
الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ
يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا
صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" (الرعد-21 إلى 24) ذم قاطعي أرحامهم
يعتبر كل من أضاع حقوق أقاربه و ضن عليهم بما يحتاجونه من متاع الحياة الدنيا قاطعاً لرحمه و
معرضاً لغضب الله تعالى و سخطه فقد قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ
مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (الرعد-25)
و قد تكرر الوعيد بصورة أشد قسوة في قوله تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ" (محمد-22 و 23)
تمثل خلق الإحسان إلى الأقارب في النبي صلى الله عليه و سلم
كان الإحسان إلى الأرحام من شيم النبي صلى الله عليه و سلم كما قالت له أم المؤمنين السيدة خديجة
رضي الله عنها عند بدء الوحي حيث قالت له: "إنك لتصل الرحم..." و من أمثلة إحسانه صلى الله
عليه و سلم لرحمه ما يلي:
1- هدايتهم إلى دين الله تعالى مع ما بذله من جهد جهيد لتحقيق ذلك و ليس أدل على ذلك من محاولاته
المضنية مع عمه أبو طالب
2- ما جاء من حديث أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال:"لما نزل قوله تعالى: " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ" (الشعراء-214) دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشاً فاجتمعوا فعم و خص و قال:
يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا
أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار
فإني لا املك لكم شيئاً من الله غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها (أخرجه البخاري و مسلم) و البلال: هو
الماء و المعنى سأصلها فقد شبه قطيعتها بالحرارة تطفأ بالماء و هذه تبرد بالصلة
3- و رغم خذلانهم و معاداتهم له إلا انه دعا الله تعالى أن يرفع عنهم القحط و الجدب عندما أصابهم
القحط فقد قيل له: يا رسول الله استسق لمضر فإنها قد هلكت فاستسقى لهم صلى الله عليه وسلم فسقوا
4- و ليس أدل على إحسانه مما فعل يوم فتح مكة فلم ينتقم كما يفعل الملوك و إنما دخل صلى الله عليه
و سلم يقول: "اليوم يوم الرحمة" و قد أخذ صلى الله عليه و سلم الراية من سعد بن عبادة أثناء دخول
الجيش مكة لأنه قال:"اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة" فما كان من النبي الكريم إلا أن قال: "
بل هذا يوم تعظم فيه الكعبة " و عندما دخل قال لأهل مكة الذين حاربوه و قتلوا من أصحابه: "اذهبوا
فانتم التلقاء"