وفد تُجِيب:
قدم هذا الوفد بصدقات قومه مما فضل عن فقرائهم، وكان الوفد ثلاثة عشر رجلاً، وكانوا يسألون عن
القرآن والسنن يتعلمونها، وسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أشياء فكتب لهم بها، ولم يطيلوا اللبث،
ولما أجازهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعثوا إليه غلاماً كانوا خلفوه في رحالهم، فجاء الغلام،
وقال: واللّه ما أعْمَلَنِي من بلادي إلا أن تسأل اللّه عز وجل أن يغفر لي ويرحمني، وأن يجعل غناي في
قلبي، فدعا له بذلك. فكان أقنع الناس، وثبت في الردة على الإسلام، وذكر قومه ووعظهم فثبتوا عليه،
والتقي أهل الوفد بالنبي صلى الله عليه وسلم مرة أخري في حجة الوداع سنة 01 هـ.
16ـ وفد طيِّـئ:
قدم هذا الوفد وفيهم زَيْدُ الخَيْلِ ، فلما كلموا النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليهم الإسلام أسلموا
وحسن إسلامهم، وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن زيد: (ما ذكر لي رجل من العرب بفضل،
ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما فيه)، وسماه زيد الخير.
وهكذا تتابعت الوفود إلى المدينة في سنتي تسع وعشر، وقد ذكر أهل المغازي والسير منها وفود أهل
اليمن، والأزْد وبني سعد هُذَيْم من قُضَاعَة، وبني عامر بن قَيْس، وبني أسد، وبَهْرَاء وخَوْلان ومُحَارِب
وبني الحارث بن كعب وغَامِد وبني المُنْتَفِق، وسَلامان، وبني عَبْس، ومُزَيْنَة، ومُرَاد، وزُبَيْد، وكِنْدَة،
وذي مُرَّة، وغَسَّان، وبني عِيش، ونَخْع ـ وهو آخر الوفود، توافـد فـي منتصف محـرم سنة 11هـ في
مائتي رجـل ـ وكانت وفادة الأغلبية من هذه الوفود سنة 9 و 01 هـ، وقد تأخرت وفادة بعضها إلى سنة 11 هـ.
وتَتَابُع هذه الوفود يدل على مدي ما نالت الدعوة الإسلامية من القبول التام، وبسط السيطرة والنفوذ على
أنحاء جزيرة العرب وأرجائها، وأن العرب كانت تنظر إلى المدينة بنظر التقدير والإجلال، حتى لم تكن
تري محيصاً عن الاستسلام أمامها، فقد صارت المدينة عاصمة لجزيرة العرب، لا يمكن صرف النظر
عنها، إلا أننا لا يمكن لنا القول بأن الدين قد تمكن من أنفس هؤلاء بأسرهم ؛ لأنه كان وسطهم كثير من
الأعراب الجفاة الذين أسلموا تبعاً لسادتهم، ولم تكن أنفسهم قد خلصت بعد عما تأصل فيها من الميل إلى
الغارات، ولم تكن تعاليم الإسلام قد هذبت أنفسهم تمام التهذيب.
وقد وصف القرآن بعضهم بقوله في سورة التوبة: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا
أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ
عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة:97، 98]
وأثنى على آخرين منهم فقال: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ
اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [ التوبة:99].
أما الحاضرون منهم في مكة والمدينة وثقيف، وكثير من اليمن والبحرين، فقد كان الإسلام فيهم قوياً،
ومنهم كبار الصحابة وسادات المسلمين.