قسمة الغنائم
وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلي اليهود من خيبر، فقالوا: يا محمد، دعنا نكون في هذه
الأرض، نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون حتى يقوموا عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر
من كل زرع، ومن كل ثمر، ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم، وكان عبد الله بن رواحة يخرصه عليهم.
وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهمًا، جمع كل سهم مائة سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم،
فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم، لرسول الله
صلى الله عليه وسلم سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر، وهو ألف وثمانمائة سهم، لنوائبه
وما يتنزل به من أمور المسلمين، وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم لأنها كانت طعمة من الله لأهل
الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وكانوا ألفا وأربعمائة، وكان معهم مائتا فرس، لكل فرس سهمان،
فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحد.
ويدل على كثرة مغانم خيبر ما رواه البخاري عن ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه
عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر ، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم
بخيبر مال ونخيل.
قدوم جعفر بن أبي طالب والأشعريين
وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه، ومعهم الأشعريون أبو موسى
وأصحابه.
قال أبو موسي: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه ـ أنا
وأخوان لي ـ في بضع وخمسين رجلاً من قومي، ركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة،
فوافقنا جعفرًا وأصحابه عنده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا
معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، فأسهم لنا، وما قسم
لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم.
ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه وقَبَّلَ ما بين عينيه وقال: (والله ما أدري بأيهما
أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر).
وكان قدوم هؤلاء على أثر بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري
يطلب توجيههم إليه، فأرسلهم النجاشي على مركبين، وكانوا ستة عشر رجلاً، معهم من بقي من نسائهم
وأولادهم، وبقيتهم جاءوا إلى المدينة قبل ذلك.