غزوة دُوَمة الجندل
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر، وقد ساد المنطقة الأمن والسلام، واطمأنت دولته، فتفرغ
للتوجه إلى أقصي حدود العرب حتى تصير السيطرة للمسلمين على الموقف، ويعترف بذلك الموالون والمعادون.
مكث بعد بدر الصغري في المدينة ستة أشهر، ثم جاءت إليه الأخبار بأن القبائل حول دومة الجندل ـ
قريباً من الشام ـ تقطع الطريق هناك، وتنهب ما يمر بها وأنها قد حشدت جمعاً كبيرا تريد أن تهاجم
المدينة، فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة سِبَاع ابن عُرْفُطَة الغفاري، وخرج في ألف
من المسلمين لخمس ليال بقين من ربيع الأول سنة 5هـ، وأخذ رجلاً من بني عُذْرَة دليلاً للطريق يقال له: مذكور.
خرج يسير الليل ويكمن النهار حتى يفاجئ أعداءهم وهم غارون، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، فهجم على
ما شيتهم ورعائهم، فأصاب من أصاب، وهرب من هرب.
وأما أهل دومة الجندل ففروا في كل وجه، فلما نزل المسلمون بساحتهم لم يجدوا أحداً، وأقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم أياماً، وبث السرايا وفرق الجيوش، فلم يصب منهم أحداً، ثم رجع إلى المدينة، ووادع
في تلك الغزوة عيينة بن حصن. ودُومة بالضم: موضع معروف بمشارف الشام بينها وبين دمشق خمس
ليال، وبُعْدُها من المدينة خمس عشرة ليلة.
بهذه الإجراءات السريعة الحاسمة، وبهذه الخطط الحكيمة الحازمة نجح النبي صلى الله عليه وسلم في بسط
الأمن، وتنفيذ السلام في المنطقة، والسيطرة على الموقف، وتحويل مجري الأيام لصالح المسلمين،
وتخفيف المتاعب الداخلية والخارجية التي كانت قد توالت عليهم وأحاطت بهم من كل جانب، فقد سكت
المنافقون واستكانوا، وتم إجلاء قبيلة من اليهود، وبقيت الأخري تظاهر بإيفاء حق الجوار، وبإيفاء العهود
والمواثيق، واستكانت البدو والأعراب، وحادت قريش عن مهاجمة المسلمين، ووجد المسلمون فرصة لنشر
الإسلام وتبليغ رسالات رب العالمين.