غزوة بني سُلَيم بالكُدْر
أول ما نقلت استخبارات المدينة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم بعد بدر أن بني سليم وبني غَطَفَان تحشد قواتها لغزو المدينة،
فباغتهم النبي صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب في عقر دراهم، وبلغ إلى منازلهم في
موضع يقال له: الكُدْر. ففر بنو
سليم، وتركوا في الوادي خمسمائة بعير استولي
عليها جيش المدينة، وقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إخراج
الخمس فأصاب كل
رجل بعيرين، وأصاب غلاما يقال له: (يسار) فأعتقه.
وأقام النبي صلى
الله عليه وسلم في ديارهم ثلاثة أيام، ثم رجع إلى المدينة.
وكانت هذه الغزوة
في شوال سنة 2 هـ بعد الرجوع من بدر بسبعة أيام، أوفي المحرم للنصف منه، واستخلف في
هذه
الغزوة على المدينة سِبَاع بن عُرْفُطَة. وقيل: ابن أم مكتوم.
مؤامرة لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم
كان من أثر هزيمة
المشركين في وقعة بدر أن استشاطوا غضباً، وجعلت مكة تغلي كالمِرْجَل ضد النبي صلى
الله عليه
وسلم، حتى تآمر بطلان من أبطالها أن يقضوا على مبدأ هذا الخلاف والشقاق
ومثار هذا الذل والهوان في زعمهم، وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
جلس عمير بن
وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحِجْر بعد وقعة بدر بيسير ـ وكان عمير من شياطين
قريش ممن كان
يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة ـ وكان ابنه وهب بن
عمير في أساري بدر، فذكر أصحاب القَلِيب ومصابهم، فقال صفوان: والله إن في العيش
بعدهم خير.
قال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دَيْن على ليس له عندي
قضاء، وعيال أخشي عليهم الضَّيْعةَ بعدي لركبتُ إلى
محمد حتى أقتله، فإن لي
قِبَلَهُمْ عِلَّةً، ابني أسير في أيديهم.
فاغتنمها صفوان وقال: على دينك،
أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيإلى، أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم.
فقال له عمير: فاكتم عني شأني وشأنك. قال: أفعل.
ثم أمر عمير بسيفه
فشُحِذَ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم به المدينة، فبينما هو على باب المسجد ينيخ
راحلته رآه عمر بن
الخطاب ـ وهو في نفر من المسلمين يتحدثون ما أكرمهم الله به يوم
بدر ـ فقال عمر: هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء إلا
لشر. ثم دخل على النبي صلى
الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحاً سيفه،
قال: (فأدخله
علي)، فأقبل إلى عمير فلَبَّبَهُ بحَمَالة سيفه، وقال لرجال من
الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجلسوا
عنده واحذروا عليه من
هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ
وعمر آخذ
بحمالة سيفه في عنقه ـ قال: (أرسله يا عمر، ادن يا عمير)، فدنا
وقال: أنْعِمُوا صباحاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(قد أكرمنا الله
بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة).
ثم قال: (ما
جاء بك يا عمير ؟) قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه.
قال: (فما بال السيف في عنقك؟) قال:قبحها الله من سيوف، وهل أغنت
عنا شيئاً ؟
قال: (اصدقني، ما الذي جئت له ؟) قال: ما جئت إلا
لذلك
قال: (بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية في الحِجْر، فذكرتما أصحاب
القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي
لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل
صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك).
قال عمير:
أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء،
وما ينزل عليك من الوحي،
وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما
أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا
المساق، ثم تشهد
شهادة الحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فقهوا أخاكم في دينه،
وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره).
وأما صفوان فكان يقول: أبشروا بوقعة
تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر. وكان يسأل الركبان عن عمير، حتى أخبره
راكب
عن إسلامه فحلف صفوان ألا يكلمه أبدًا، ولا ينفعه بنفع أبدا.
ورجع عمير إلى
مكة وأقام بها يدعو إلى الإسلام، فأسلم على يديه ناس كثير.