غزوة سفوان
في شهر ربيع الول سنة 2 هـ، الموافق سبتمبر سنة 623م، أغار كرز بن
جابر الفهري في قوات خفيفة من المشركين على
مراعي المدينة، ونهب بعض المواشي فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلاً من أصحابه لمطارته، حتى
بلغ وادياً
يقال له: سفوان من ناحية بدر، ولكنه لم يدرك كرزاً وأصحابه، فرجع من دون حرب،
وهذه الغزوة تسمى بغزوة بدر الأولى.
واستخلف في هذه الغزوة على المدينة زيد
بن حارثة، وكان اللواء أبيض، وحامله علي بن أبي طالب.
7- غزوة ذي
العشيرة:
في جمادى الأولى، وجمادى الآخرة سنة 2 هـ، الموافق نوفمبر وديسمبر
سنة 623هـ، خرج فيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم في خمسين ومائة ويقال: في
مائتين، من المهاجرين، ولم يكره أحداً على الخروج، وخرجوا على ثلاثين بعيراً
يعتقبونها، يعترضون عيراً لقريش، ذاهبة إلى الشام، وقد جاء الخبر بفصولها من مكة،
فيها أموال لقريش فبلغ ذا العشيرة،
فوجد العير قد فاتته بأيام، وهذه هي العير التي
خرج في طلبها حين رجعت من الشام، فصارت سبباً لغزوة بدر الكبرى.
وكان
خروجه صلى الله عليه وسلم في أواخر جمادى الأولى، ورجوعه في أوائل جمادى الآخرة،
على ما قاله ابن إسحاق،
ولعل هذه هو سبب اختلاف أهل السير في تعيين شهر هذه
الغزوة.
وفي هذه الغزوة عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة عدم اعتداء
مع بنى مدلج وحلفائهم من بنى ضمرة.
واستخلف على المدينة في هذه الغزوة أبا
سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وكان اللواء أبيض، وحامله حمزة بن عبد الملطب رضي الله
عنه.
8- سرية نخلة:
في رجب سنة 2 هـ، الموافق يناير سنة 624م، بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له كتاباً، وأمره ألا ينظر فيه
حتى يسير يومين،
ثم ينظر فيه. فسار عبد الله ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه: (إذا نظرت
في كتابي هذا فامض حتى تنزل
نخلة بين مكلة والطائف، فترصد بها عير قريش وتعلم لنا
من أخبارهم). فقال: سمعاً وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك، وأنه لا
يستكرههم، فمن
أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض، فنهضوا كلهم، غير أنه
لما كان في أثناء
الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا
يعتقبانه، فتخلفا في طلبه.
وسار عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت عير
لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة، وفيها عمرو بن الخضرمي، وعثمان
ونوفل ابنا عبد
الله بن المغيرة، والحكم ابن كيسان مولى بني المغيرة. فتشاور المسلمون وقالوا:
نحن في آخر يوم من رجب
الشهر الحرام، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وإن
تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اجتمعوا على اللقاء، فرمى أحدهم عمرو
بن الحضرمي
فقتله، وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين إلى المدينة،
وقد عزلوا من ذلك الخمس،
وهو أو خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول
أسيرين في الإسلام.
وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه،
وقال: (ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام) وتوقف عن التصرف في العير
والأسيرين.
ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا
ما حرم الله، وكثر في ذلك القيل والقال، حتى نزل الوحي
حاسماً هذه الأقاويل وأن ما
عليه المشروكون أكبر وأعظم مما ارتكبه المسلمون: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ
قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ
وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ
عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217].
فقد صرح هذا الوحي بأن الضجة التي افتعلها المشركون لإثارة الريبة في سيرة
المقاتلين المسلمين لا مساغ لها، فإن
الحرمات المقدسة قد انتهكت كلها في محاربة
الإسلام، واضطهاد أهله، ألم يكن المسلمون مقيمين بالبلد الحرام حين تقرر سلب
أموالهم وقتل نبيهم؟ فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها فجأة، فأصبح انتهاكها
معرة وشناعة؟ لا جرم أن الدعاية التي أخذ
ينشرها المشركون دعاية تبتني على وقاحة
ودعارة.
وبعد ذلك أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح الأسيرين،
,أدى دية المقتول إلى أوليائه.