روى أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله
خلق آدم من قبضة قبضت من جميع الأرض فجاءوا بنوا آدم على قدر
الأرض: منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك والخبيث والطيب
والسهل والحزن وبين ذلك»
وجاء في حديث آخر: «إن الله خلقهم في ظلمة فرش عليهم من نوره فمن
أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل»
فهذا يدل على أن من خلق من الصفا صفا له ومن خلق من الكدر كدر عليه
فلم يصلح للقرب والرياضة وإنما يصلح عبد نجيب
خلق إبليس من ماء غير طاهر فكانت خلعة العبادة عليه عارية فسخن ماء
معاملته بإيقاد نار الخوف فما أعرض عنه الموقد عاد إلى برودة الغفلة
وخلق عمر من أصل نقي فكانت أعمال الشرك عليه كالعارية فلما عجب
نيران حمية الجاهلية أثرت في طبعه إلى أن فنى مدد حظها بفناء مدة تقدير
إعراضه فعاد سخنه إلى برد العرفان: وكلُّ إِلى طَبعِهِ عَائِدُ وَإِن صَدَّهُ الصَّدُّ
عن قصدِهِ كَما أنَّ الماءَ من بعدِ إِسخانه سريعاً يعود إِلى بَردِهِ يا هذا: لاحت
عقبة المعصية لآدم وإبليس فقال لهما لسان الحال: لابدّ من سلوكها فسلكا
يتخبطان في ظلامها فأما آدم فانكسر قلبه في طريقه وبكى لصعوبة مضيقه
فهتف به هاتف اللطف: لا تجزع أنا عند المُنكَسِرَةِ قلوبهم من أجلي وأما
إبليس فجاء ضاحكاً معجباً بنفسه فثار الكبر من قلبه فتكاثرت ظلمة طريقه
فلما ارتفعا إلى رأس العقبة ضرب «بَينَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحمَةُ
وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ» فقال إبليس: يا آدم كنا رفيقين في عقبة
المعصية فكيف افتراقنا فنادى منادى الأزل: نحن قَسَمنَا