قال المغيرة بن حبيب: كنت أسمع بمجاهدة المحبين، ومناجاة العارفين، وكنت أشتهي أن أطّلع
على شيء من ذلك، فقصدت مالك بن دينار، فرمقته على غفلة وراقبته من حيث لا يعلم ليالي
عدة، فكان يتوضأ بعد العشاء الآخرة، ثم يقوم الى الصلاة، فتارة يفني ليلة في تكرار آية أو
آيتين، وتارة يدرج القرآن درجا، فاذا سجد وحان انصرافه من صلاته، قبض على لحيته،
وخنقته العبرة، وجعل يقول: بحنين الثكلى وأنين الولهى، يا الهي، ويا مالك رقّي، ويا صاحب
نجواي، ويا سامع شكواي، سبقت بالقول تفضلا وامتنانا، فقلت:{ يحبهم ويحبونه} المائدة 54
،
والمحبّ لا يعذب حبيبه، فحرم شيبة مالك على النار. الهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن
النار، فأيّ الرجلين مالك، وأي الدارين دار مالك؟.
ثم يناجي كذلك الى أن يطلع الفجر، فيصلي الصبح بوضوء العتمة رحمه الله.