باب الرجاء
412- وعن عُبادَة بنِ الصامِتِ ، رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
: « منْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وأَنَّ مُحمَّداً عبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وأَنَّ عِيسى
عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ
الجَنَّةَ عَلى ما كانَ مِنَ العمَلِ » متفقٌ عليه .
وفي رواية لمسلم : « مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسُولُ اللَّهِ ، حَرَّمَ اللَّهُ علَيهِ النَّارَ » .
413- وعن أبي ذَرٍّ ، رضيَ اللَّهُ عنه ، قال : قال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يقولُ
اللَّهُ عزَّ وجَلّ: مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها أَوْ أَزْيَدُ ، ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ، فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ . وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً ، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً ، ومنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذرَاعاً،
تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً، وَمَنْ أَتاني يمشي ، أَتَيْتُهُ هَرْولَةً ، وَمَنْ لَقِيَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ
يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بمثْلِها مغْفِرَةً » رواه مسلم.
معنى الحديث : « مَنْ تَقَرَّبَ » إِلَيَّ بِطاعَتي « تَقَرَّبْتُ » إِلَيْهِ بِرحْمَتي ، وإِنْ زَادَ زِدْتُ،
«فَإِنْ أَتاني يَمشي » وَأَسْرَعَ في طاعَتي « أَتَيْتُه هَرْوَلَةً » أَيْ : صَبَبْبُ علَيْهِ الرَّحْمَة ،
وَسَبَقْتهُ بها ، ولَمْ أُحْوِجْهُ إِلى المَشْيِ الْكَثِيرِ في الوُصُولِ إِلى المَقْصُودِ ، « وَقُرَابُ الأَرْضِ»
بضمِّ القافِ ويُقال بكسرها ، والضمّ أَصحّ ، وأَشهر ، ومعناه : ما يُقارِبُ مِلأَها ، واللَّه أعلم .
414- وعن جابر ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ ، ما المُوجِبَتانِ ؟ فَقَالَ : « مَنْ مَات لاَ يُشرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دخَلَ الجَنَّةَ ،
وَمَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، دَخَلَ النَّارَ » رواه مُسلم .
415- وَعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، أَنَّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَمُعَاذٌ ردِيفُهُ عَلى
الرَّحْلِ قَالَ : «يا مُعاذُ » قال : لَبيَّيْكَ يا رسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قالَ : « يا مُعَاذُ » قالَ :
لَبَّيكَ يارَسُول اللَّهِ وَسَعْديْكَ . قالَ : « يَا مُعاذُ » قال : لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْديكَ ثلاثاً ،
قالَ : « ما مِن عَبدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صِدْقاً مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ
حَرَّمَهُ اللَّهُ على النَّارِ » قالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُخْبِرُ بِها النَّاسَ فيستبشروا ؟ قال : «إِذاً
يَتَّكلُوا » فَأَخْبرَ بها مُعَـاذٌ عِنْد مَوْتِهِ تَأَثُّماً . متفقٌ عليه .
وقوله : « تَأَثماً » أَيْ : خَوْفاً مِنَ الإِثمِ في كَتْمِ هذا العِلْمِ .
416- وعنْ أبي هريرة أَوْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنهما : شَك الرَّاوِي ، وَلاَ يَضُرُّ
الشَّكُّ في عَينِ الصَّحابي ، لأَنهم كُلُّهُمْ عُدُولٌ ، قال : لما كان يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَصابَ الناسَ
مَجَاعَةٌ ، فَقالُوا : يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنا ، فَأَكلْنَا وَادَّهَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « افْعَلُوا » فَجَاءَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنهُ ، فقالَ : يا رَسولَ اللَّهِ إِنْ
فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ ، وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُ اللَّهِ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّه أَنْ
يَجْعَلَ في ذلكَ البَرَكَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « نَعَمْ» فَدَعَا بِنِطْعٍ فَبَسَطهُ ،
ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزَاوَدِهِمْ ، فَجعلَ الرَّجُلُ يجيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ ويجيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ ، ويجيءُ
الآخَرُ بِكِسرَةٍ حَتى اجْتَمَعَ عَلى النِّطْعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ ، فَدَعَا رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم بِالبَرَكَةِ ، ثُمَّ قالَ « خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ ، فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حتى ما تركُوا في العَسْكَرِ
وِعاء إِلاَّ مَلأوهُ ، وأَكَلُوا حَتَّى شَبعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ ، فقالَ رَسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «
أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّه بهما عَبْدٌ غَيْرُ شاكٍّ ، فَيُحْجبَ عَنِ الجَنَّةِ» رواهُ مسلم .
417- وَعَنْ عِتْبَانَ بنِ مالكٍ ، رضي اللَّه عنه ، وهو مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً ، قال : كُنْتُ أُصَلِّي
لِقَوْمي بَني سالمٍ ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْني وَبينهُم وادٍ إِذَا جاءَتِ الأَمطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ
مَسْجِدِهِمْ ، فَجئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقلتُ له : إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي ، وَإِنَّ
الوَادِيَ الَّذِي بيْني وَبَيْنَ قَوْمي يسِيلُ إِذَا جَاءَت الأَمْطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيازُهُ ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ
تَأْتي ، فَتُصَليِّ في بَيْتي مَكاناً أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فقال رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « سأَفْعَلُ
» فَغَدا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ، رضي اللَّهُ عنه ، بَعْدَ ما اشْتَدَّ النَّهَارُ ، وَاسْتَأْذَنَ رسُولُ
اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَذِنْتُ لهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حتى قالَ : « أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ
؟ » فَأَشَرْتُ لهُ إِلى المَكَانِ الَّذِي أُحبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فيه ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ،
فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَراءَهُ ، فَصَلَّى رَكَعَتَيْن ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ ، فَحَبَسْتُهُ علَى خَزيرة تُصْنَعُ
لَهُ ، فَسَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في بَيْتي ، فَثَابَ رِجَالٌ منهمْ حتَّى
كَثُرَ الرِّجَالُ في البَيْتِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَا فَعَلَ مَالِكٌ لا أَرَاهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : ذلك مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ
اللَّه ورَسُولَهُ ، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « لاَ تَقُلْ ذَلِكَ أَلاَ تَراهُ قالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعالى ؟،» . فَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ ما نَرَى وُدَّهُ
، وَلاَ حَديثَهُ إِلاَّ إِلى المُنَافِقينَ ، فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « فَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ
على النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهِ اللَّهِ » متفقٌ عليه .
و « عِتْبَانِ » بكسر العين المهملة ، وإِسكان التاءِ المُثَنَّاةِ فَوْقُ وبَعْدهَا باءٌ مُوَحَّدَةٌ . و
«الخَزِيرَةُ » بالخاءِ المُعْجمةِ ، وَالزَّاي : هِي دقِيقٌ يُطْبَخُ بِشَحْمٍ وقوله : « ثابَ رِجالٌ »
بالثَّاءِ المِثَلَّثَةِ ، أَيْ : جَاءوا وَاجْتَمعُوا .
418- وعن عمرَ بنِ الخطاب ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
بِسَبْي فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى ، إِذْ وَجَدتْ صبيًّا في السبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها ،
فَأَرْضَعَتْهُ ، فقال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في
النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ . فَقَالَ : «للَّهُ أَرْحمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِولَدِهَا » متفقٌ عليه.
419- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «
لما خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ ، كَتَبَ في كِتَابٍ ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ : إِنَّ رَحْمتي تَغْلِبُ غَضَبِي » .
وفي روايةٍ : « غَلَبَتْ غَضَبِي » وفي روايةٍ « سَبَقَتْ غَضَبِي » متفقٌ عليه .
420- وعنه قال : سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مائَةَ
جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءَا واحِداً ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَراحمُ
الخَلائِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ ولَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ » .
وفي روايةٍ : « إِنَّ للَّهِ تَعَالى مائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ والإِنْسِ
وَالبَهَائمِ وَالهَوامِّ ، فَبهَا يَتَعاطَفُونَ ، وبها يَتَراحَمُونَ ، وَبها تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلى وَلَدهَا ، وَأَخَّرَ
اللَّهُ تَعالى تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بها عِبَادهُ يَوْمَ القِيَامَةِ » متفقٌ عليه .
ورواهُ مسلم أَيضاً من روايةِ سَلْمَانَ الفَارِسيِّ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ للَّهِ تَعَالَى ماِئَةَ رَحْمَةٍ فَمِنْها رَحْمَةٌ يَتَراحَمُ بها الخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وَتِسْع وَتِسْعُونَ لِيَوْم القِيامَةِ » .
وفي رواية « إِنَّ اللَّه تعالى خَلَقَ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا
بَيْنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ ، فَجَعَلَ مِنها في الأَرْضِ رَحْمَةً فَبِها تَعْطِفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا
وَالْوحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُها عَلَى بَعْضٍ فَإِذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ ، أَكْمَلَها بهِذِهِ الرَّحْمَةِ » .
421- وعنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . فِيمَا يَحكِى عَن ربِّهِ ، تَبَارَكَ وَتَعَالى ، قال :
« أَذنَب عبْدٌ ذَنباً ، فقالَ : اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى : أَذَنَبَ عبدِي ذنباً ،
فَعلِم أَنَّ لَهُ ربًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذَنَبَ، فقال : أَيْ ربِّ اغفِرْ لي ذنبي ،
فقال تبارك وتعالى : أَذنبَ عبدِي ذَنباً ، فَعَلَمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ ، وَيَأخُذُ بِالذنْبِ ، ثُمَّ عَادَ
فَأَذنَبَ ، فقال : أَي رَبِّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال تَبَارَكَ وَتَعَالى : أَذنَبَ عَبدِي ذَنباً ، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ
رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، قدَ غَفَرْتُ لِعبدي .. فَلْيَفعَلْ ما شَاءَ » متفقٌ عليه.
وقـوله تعالى : « فَلْيَفْعلْ ما شَاءَ » أَي : مَا دَامَ يَفْعَلُ هَكَذا ، يُذْنِبُ وَيتُوبُ أَغْفِرُ لَهُ ، فإِنَّ التَّوبَةَ تَهِدِمُ ما قَبْلَهَا .
422- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذنِبُوا
، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَجَاءَ بِقوم يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّه تعالى ، فيَغْفرُ لَهُمْ رواه مسلم .
423- وعن أبي أَيُّوبَ خَالِدِ بنِ زيد، رضي اللَّه عنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم يقول: « لَوْلا أَنَّكُمْ تُذنبُونَ ، لخَلَقَ اللَّهُ خَلقاً يُذنِبونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ » رواه
مسلم .
424- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : كُنَّا قُعوداً مَع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم ، مَعَنا أَبُو بكْر وَعُمَرُ ، رضي اللَّه عنهما في نَفَرٍ ، فَقَامَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم مِنْ بَيْن أَظْهُرنَا ، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَخَشَينا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا ، فَفَزَعْنا ، فَقُمْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ
فَزعَ ، فَخَرجتُ أَبْتَغِي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، حَتَّى أَتَيتُ حَائِطاً لِلأَنْصَارِ وَذَكَرَ
الحديث بطُوله إِلى قوله : فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ
هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إلاَّ اللَّه ، مُسْتَيقِناً بهَا قَلَبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ » رواه مسلم .
425- وعن عبد اللَّه بن عَمْرو بن العاص ، رضي اللَّه عنهما ، أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم تَلا قَوَل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في إِبراهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللْنَ كَثيراً مِنَ
النَّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنِّي} [ إبراهيم : 36 ] ، وَقَوْلَ عيسى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم :
{إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [ المائدة : 118 ] ، فَرَفَعَ
يَدَيْه وقال « اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى ، فقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : « يا جبريلُ اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ،فسلْهُ مَا يُبكِيهِ ؟ » فَأَتَاهُ جبرِيلُ فَأَخبَرَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَا
قال:وَهُو أَعْلَمُ ، فقال اللَّهُ تعالى: { يا جِبريلُ اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ
وَلا نَسُوؤُكَ } رواه مسلم .
426- وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال كُنتُ رِدْفَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
على حِمارٍ فقال : « يَا مُعَاذُ هَل تَدري مَا حَقُّ اللَّه عَلى عِبَادِهِ ، ومَا حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللَّه ؟
قلت : اللَهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قال : « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعْبُدُوه ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
، وَحقَّ العِبادِ عَلى اللَّهِ أَنْ لا يُعَدِّبَ مَنْ لا يُشِركُ بِهِ شَيْئاً ، فقلت : يا رسولُ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ
النَّاسَ ؟ قال : « لا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا » متفقٌ عليه .
427- وعن البَرَاءِ بنِ عازبٍ ، رضي اللَّه عنهما ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «
المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ في القَبرِ يَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّه ، فذلك قولهُ تعالى :
{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْل الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيَا وفي الآخِرَةِ } [ إبراهيم : 27 ] متفقٌ عليه .
428- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ الكَافِرَ
إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً ، أُطعِمَ بِهَا طُعمَةً مِنَ الدُّنيَا ، وَأَمَّا المُؤمِن ، فَإِنَّ اللَّه تعـالى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ
في الآخِرَةِ ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقاً في الدُّنْيَا عَلى طَاعَتِهِ » .
وفي روايةٍ : « إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا في
الآخِرَة، وَأَمَّا الْكَافِرُ ، فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للَّهِ تعالى ، في الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة
، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا » رواه مسلم .
429- وعن جابرٍ ، رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَثَلُ
الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ »
رواه مسلم.
« الْغَمْرُ » الْكَثِيرُ .
430- وعن ابنِ عباسٍ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
يقول : «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنازتِه أَرَبَعُونَ رَجُلاً لا يُشرِكُونَ بِاللَّهِ شَيئاً إِلاَّ
شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فيه » رواه مسلم .
431- وعن ابنِ مسعودٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : كُنَّا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
في قُبَّةٍ نَحواً مِنْ أَرَبعِينَ ، فقال : « أَتَرضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا: نَعَم ، قال
: «أَتَرضَونَ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا : نَعَم ، قال: « وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي
لأَرجُو أَنْ تَكُونُوا نِصفَ أَهْلِ الجَنَّة ، وَذَلِك أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدخُلُهَا إِلاَّ نَفسٌ مُسلِمَةٌ ، وَمَا أَنتُمْ في
أَهْلِ الشِّركِ إِلاَّ كََالشَّعرَةِ البَيَضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسودِ ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ
الأَحْمَرِ » متفقٌ عليه.
432- وعن أبي موسى الأَشعري ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ
وسَلَّم : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُوديًّا أو نَصْرَانِيّآً فَيَقُولُ : هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ» .
وفي رواية عنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِين
بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الجبَالِ يَغفِرُهَا اللَّهُ لهمُ » رواه مسلم .
قوله : « دَفَعَ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يهودِيًّا أَوْ نَصرانِياً فَيَقُولُ : هَذا فكَاكُكَ مِنَ النَّارِ » معْنَاهُ مَا جَاءَ
في حديث أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنهُ : « لِكُلِّ أَحَدٍ مَنزِلٌ في الجَنَّةِ ، ومَنزِلٌ في النَّارِ،
فالمُؤْمِن إِذَا دَخَلَ الجنَّةَ خَلَفَهُ الكَافِرُ في النَّارِ ، لأَنَّهُ مُسْتَحِق لذلكَ بكُفْرِه » وَمَعنى «فكَاكُكَ »
: أَنَّكَ كُنْتَ مُعَرَّضاً لِدُخُولِ النَّارِ ، وَهَذا فِكَاكُكَ ، لأَنَّ اللَّه تعالى قَدَّرَ لِلنَّارِ عدَداً يَمْلَؤُهَا ، فإِذا
دَخَلَهَا الكُفَّارُ بِذُنُوبِهمْ وَكُفْرِهِمْ ، صَارُوا في مَعنى الفِكَاك لِلمُسلِمِينَ . واللَّه أَعلم .
433- وعن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول
: « يُدْنَى المُؤْمِنُ يَومَ القِيَامَةِ مِنُ رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ ، فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِه ، فيقولُ: أَتَعرفُ
ذنبَ كَذا؟ أَتَعرفُ ذَنبَ كَذَا ؟ فيقول : رَبِّ أَعْرِفُ ، قال : فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيكَ في الدُّنيَا،
وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ ، فَيُعطَى صَحِيفَةَ حسَنَاته » متفقٌ عليه .
كَنَفُهُ : سَتْرُهُ وَرَحْمَتُهُ .
434- وعن ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَة ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأَخبره ، فأَنزل اللَّهُ تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرََفي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ الَّليْلِ إِنَّ
الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } [ هود : 114 ] فقال الرجل : أَلي هذا يا رسولَ اللَّه ؟ قال :
«لجَميعِ أُمَّتي كُلهِمْ » متفقٌ عليه .
435- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال :
يا رسولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حدّاً ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، وَحَضَرتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ
عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا قَضَى الصَّلاة قال : يا رسول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حدًّا ، فأَقِمْ فيَّ كتَابَ اللَّهِ ، قال
: « هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلاَةَ ؟ » قال : نَعم : قال«قد غُفِرَ لَكَ » متفقٌ عليه .
وقوله : « أَصَبْتُ حَدًّا » معناه : مَعْصِيَةً تُوجِبُ التَّعْزير ، وَليس المُرَادُ الحَدَّ الشَّرْعِيَّ
الْحقيقيَّ كَحَدِّ الزِّنَا والخمر وَغَيْرِهمَا ، فَإِنَّ هَذِهِ الحُدودَ لا تَسْقُطُ بِالصلاةِ، ولا يجوزُ للإمام تَرْكُهَا .
436- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ اللَّه لَيَرضي عن الْعَبْدِ أَنْ
يَأْكُلَ الأَكلَةَ، فَيحْمَدُهُ عليها ، أَوْ يَشْربَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمدُهُ عَليها » رواه مسلم.
« الأَكْلَةُ » بفتح الهمزة وهي المرَّةُ الواحدةُ مِنَ الأَكلِ كَالْغَدْوةِ والْعَشْوَةِ ، واللَّه أعلم .
437- وعن أبي موسى ، رضي اللَّه عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال : « إِنَّ
اللَّه تعالى، بَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيلِ لَيَتُوبَ مُسيِءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدهُ بِالنَّهارِ ليَتُوبَ مُسيءُ اللَّيلِ حتى
تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبَها » رواه مسلم .
438- وعن أبي نجيحٍ عَمرو بن عَبْسَةَ بفتح العين والباءِ السُّلَمِيِّ ، رضي اللَّه عنه قال :
كنتُ وَأَنَا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلى ضَلالَةٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا على شيءٍ ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ
الأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَاراً ، فَقَعَدْتُ عَلى رَاحِلَتي ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رسولُ
اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُسْتَخْفِياً جُرَءَاءُ عليهِ قَوْمُهُ ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّة ، فَقُلْتُ
له : ما أَنَتَ ؟ قال : « أَنا نَبي » قلتُ : وما نبي ؟ قال : « أَرْسَلِني اللَّه » قلت: وبِأَيِّ
شَيْءٍ أَرْسلَكَ ؟ قال : « أَرْسَلني بِصِلَةِ الأَرْحامِ ، وكسرِ الأَوْثان ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّه لايُشْرَكُ بِهِ
شَيْء » قلت : فَمنْ مَعَكَ عَلى هَذا ؟ قال : « حُر وَعَبْدٌ » ومعهُ يوْمَئِذٍ أَبو بكر وبلالٌ
رضي اللَّه عنهما . قلت : إِنِّي مُتَّبعُكَ ، قال إِنَّكَ لَنْ تَستطِيعَ ذلكَ يَوْمَكَ هَذا . أَلا تَرى حَالى
وحالَ النَّاسِ ؟ وَلَكِنِ ارْجعْ إِلى أَهْلِكَ فَإِذا سمعْتَ بِي قد ظَهَرْتُ فَأْتِني » قال فَذهبْتُ إِلى أَهْلي
، وَقَدِمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المَدينَةَ . وكنتُ في أَهْلي . فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ ،
وَأَسْأَلُ النَّاسَ حينَ قَدِمَ المدينة حَتَّى قَدِمَ نَفرٌ مِنْ أَهْلي المدينةَ ، فقلتُ : ما فَعَلَ هذا الرَّجُلُ الذي
قدِم المدينةَ ؟ فقالوا : النَّاسُ إِليهِ سِراعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُه قَتْلَهُ ، فَلَمْ يَستْطَيِعُوا ذلِكَ ، فَقَدِمتُ
المدينَةَ فَدَخَلتُ عليهِ ، فقلتُ : يا رسولَ اللَّه أَتَعرِفُني ؟ قال : «نَعم أَنتَ الَّذي لَقيتنَي بمكةَ »
قال : فقلتُ : يا رسول اللَّه أَخْبرني عمَّا عَلَّمكَ اللَّه وَأَجْهَلُهُ، أَخبِرنْي عَنِ الصَّلاَةِ؟ قال : «
صَلِّ صَلاَةَ الصُّبحِ ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَرتفَعِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حين
تطلع بَيْنَ قَرْنَي شَيْطَانٍ ، وَحِينئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكفَّارُ ، ثُمَّ صَل ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ مشهودة محضورة
. حتى يستقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمحِ ، ثُمَّ اقْصُر عن الصَّلاةِ، فإِنه حينئذٍ تُسجَرُ جَهَنَّمُ ، فإِذا أَقبلَ الفَيء
فصَلِّ ، فإِنَّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ محضورة حتى تُصَلِّيَ العصرَ ثم اقْصُر عن الصلاةِ حتى تَغْرُبَ
الشمسُ ، فإِنها تُغرُبُ بين قَرنيْ شيطانٍ ، وحينئذٍ يَسْجُدُ لها الكُفَّارُ » .
قال : فقلت : يا نَبِيَّ اللَّه ، فالوضوءُ حدّثني عنه ؟ فقال : « ما منْكُمْ رجُل يُقَرِّبُ
وَضُوءَهُ ، فَيَتَمَضْمضُ ويستنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خطايَا وجههِ وفيهِ وخياشِيمِهِ . ثم إِذا
غَسَلَ وجهَهُ كما أَمَرَهُ اللَّه إِلاَّ خرّت خطايا وجهِهِ مِنْ أَطرافِ لحْيَتِهِ مع الماءِ . ثم يغسِل يديهِ
إِلى المِرفَقَينِ إِلاَّ خرّت خطايا يديه من أَنامِلِهِ مع الماءِ ، ثم يَمْسحُ رَأْسَهُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا
رَأْسِهِ من أَطرافِ شَعْرهِ مع الماءِ ، ثم يَغْسِل قَدَمَيهِ إِلى الكَعْبَيْنِ ، إلاَّ خَرت خطايا رِجْلَيه من
أَنَامِلِهِ مَع الماءِ ، فإِن هو قامَ فصلَّى ، فحمِدِ اللَّه تعالى ، وأَثْنَى عليهِ وَمجَّدَهُ بالذي هو له أَهل
،وَفَرَّغَ قلبه للَّه تعالى . إِلا انصَرَفَ من خطيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
فحدّثَ عَمرو بنُ عَبسةَ بهذا الحديثَ أَبَا أُمَامَة صاحِبِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم
فقال له أبو أمامة: يا عَمْروُ بن عَبْسَةَ ، انظر ما تقولُ . في مقامٍ واحِدٍ يُعطى هذا الرَّجُلُ ؟
فقال عَمْرو : يا أَبَا أُمامةَ . فقد كِبرَتْ سِنِّي ، ورَقَّ عَظمِي ، وَاقْتَرَبَ أَجَلي ، وما بي حَاجة
أَنْ أَكذِبَ على اللَّهِ تعالى ، ولا على رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لو لم أَسْمَعْهُ من رسول
اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرْتَيْن أو ثلاثاً ، حَتَّى عَدَّ سبعَ مَراتٍ ، ما حَدَّثتُ أَبداً بِهِ
، ولكنِّي سمِعتُهُ أَكثَرَ من ذلك رواه مسلم .
قوله : « جُرَءَاءُ عليهِ قومُهُ » : هو بجيمٍ مضمومة وبالمد على وزنِ عُلماء ، أَي :
جاسِرُونَ مُستَطِيلونَ غيرُ هائِبينَ . هذه الرواية المشهورةُ ، ورواه الحُمَيْدِي وغيرهُ : «
حِراء» بكسر الحاءِ المهملة . وقال : معناه غِضَابُ ذُوُو غَمٍّ وهمٍّ ، قد عيلَ صبرُهُمْ بهِ ،
حتى أَثَّرَ في أَجسامِهِم ، من قوَلِهم : حَرَىَ جِسمُهُ يَحْرَى، إِذَا نقصَ مِنْ أَلمٍ أَوْ غم ونحوه ،
والصَّحيحُ أَنَهُ بالجيمِ .
وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « بين قَرنَي شيطانٍ » أَيْ : ناحيتي رأسهِ . والمرادُ التَّمثِيلُ . معناهُ : أَنه حينئذٍ يَتَحرَّكُ الشَّيطانُ وشيِعتهُ . وَيَتَسَلَّطُونَ .
وقوله : « يُقَرِّبُ وَضُوءَه » معناه : يُحْضِرُ الماءَ الذي يَتَوَضَّأُ بِه. وقوله :« إِلاَّ خَرّتْ
خَطاياهُ » هو بالخاءِ المعجمة : أَيْ سقطَت . ورواه بعضُهُم . « جرتْ » بالجيم .
والصحيح بالخاءِ ، وهو رواية الجُمهور .
وقوله : « فَيَنْتَثرُ » أَيْ : يَستَخرجُ ما في أَنفه مِنْ أَذَى ، والنَّثرَةُ : طرَفُ الأَنفِ .
439- وعن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال :
«إِذا أَرادَ اللَّه تعالى ، رحمةَ أُمَّةٍ ، قَبضَ نبيَّهَا قَبلَها ، فجعلَهُ لها فَرَطاً وسلَفاً بين يَدَيها ، وإذا
أرادُ هَلَكةَ أُمَّةٍ ، عذَّبها ونبيُّهَا حَيُّ ، فَأَهْلَكَهَا وهوَ حَيُّ ينظُرُ ، فَأَقَرَّ عينَهُ بِهلاكها حين كذَّبوهُ
وعصَوا أَمْرَهُ » رواه مسلم .
المُعْجَمَةِ ، أَي : غَيْرَ مختُونِينَ .