ضرب الله مثلا رجلا
واختلف في الصر فقيل البرد الشديد وقيل النار قاله ابن عباس وقال الأنباري وإنما وصفت النار أنها
صر لتصريتها عند الالتهاب وقيل الصر الصوت الذي يصحب الريح من شدة هبوبها والأقوال الثلاثة
متلازمة فهو برد شديد محرق بيبسه للحرث كما تحرق النار وفيه صوت شديد وفي قوله أصابت حرث
قوم ظلموا أنفسهم تنبيه على أن سبب إصابتها لحرثهم هو ظلمهم فهو الذي سلط عليهم الريح المذكورة
حتى أهلكت زرعهم وأيبسته فظلمهم هو الريح التي أهلكت أعمالهم ونفقاتهم وأتلفتها
فصل ومنها قوله تعالى ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان
مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون هذا مثل ضربه الله سبحانه للمشرك والموحد فالمشرك بمنزلة عبد
تملكه جماعة مشتركين في خدمته لا يمكنه رضاهم أجمعين والموحد لما كان يعبد الله وحده فمثله كمثل
عبد رجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء
فيه بل هو سالم لمالكه من غير منازع فيه مع رأفة مالكه به ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه
وتوليته بمصالحه فهل يستوي هذان العبدان وهذا
مثل امرأة نوح وامرأة لوط منه أبلغ الأمثال فإن الخالص لمالك واحد مستحق من معونته وإحسانه
والتفاته إليه وقيامه بمصالحه ما لا يستحقه صاحب الشركاء المتشاكسين الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون
فصل ومنها قوله تعالى ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا
صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا
امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم
الظالمين ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه
وكانت من القانتين فاشتملت هذه الآيات على ثلاثة أمثال مثل للكافر ومثلين للمؤمنين فتضمن مثل الكفار
أن الكافر يعاتب على كفره وعداوته لله تعالى ورسوله وأوليائه ولا ينفعه مع كفره ما كان بينه وبين
المؤمنين من لحمة نسب أو وصلة صهر أو سبب من سبب الاتصال فان الأسباب كلها تنقطع يوم القيامة
إلا ما كان منها متصلا بالله وحده على أيدي رسله عليهم الصلاة والسلام فلو نفعت وصلة القرابة
والمصاهرة والنكاح مع عدم الايمان لنفعت الصلة التي كانت بين نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام
وامرأتيهما فلما لم يغنيا عنهما من الله شيئا
مثل امرأة نوح وامرأة لوط وقيل لهما ادخلا النار مع الداخلين فقطعت الآية حينئذ طمع من ارتكب
معصية الله تعالى وخالف أمره ورجا أن ينفعه صلاح غيره من قريب أو أجنبي ولو كان بينهما في الدنيا
أشد الاتصال فلا اتصال فوق اتصال النبوة والأبوة والزوجية ولم يغن نوح عليه الصلاة والسلام عن
ابنه ولا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن أبيه ولا نوح ولوط عليهما الصلاة و السلام عن امرأتيهما من
الله شيئا قال الله تعالى لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم وقال تعالى يوم لا تملك
نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله وقال تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا وقال تعالى
واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا وهذا كله تكذيب لأطماع
المشركين الباطلة أن من تعلقوا به من دون الله من قرابة أو صهر أو نكاح أو صحبة تنفعهم يوم القيامة
أو تجيرهم من عذاب الله تعالى أو تشفع لهم عند الله تعالى وهذا أصل ضلال بني آدم وشركهم وهو
الشرك الذي لا يغفره الله وهو الذي بعث الله تعالى جميع رسله عليهم الصلاة والسلام وأنزل جميع كتبه
بإبطاله ومحاربة أهله ومعاداتهم
فصل وأما المثلان اللذان للمؤمنين فأحدهما امرأة فرعون ووجه المثل أن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره
شيئا إذا فارقه في كفره وعمله فمعصية العاصي لا تضر المطيع شيئا في الآخرة وإن تضرر بها في
الدنيا بسبب العقوبة التي تحل بأهل الأرض إذا أضاعوا أمر الله عز وجل فتأتي عامة فلم يضر